مشروع قانون المسطرة المدنية الجديد يثير الجدل بشأن حماية حقوق المتقاضين

الأستاذ محمد سكام

 

لعل من اطلع على مشروع قانون المسطرة المدنية كما تمت الموافقة عليه من طرف
مجلس النواب بتاريخ 23 يوليوز 2024، سيلاحظ لامحالة بأن واضعي المشروع لم يأتوا
بتدابير إيجابية لحماية المتقاضين من إصدار الأحكام بعدم قبول الدعوى دون إنذارهم
بتصحيح المسطرة إذا كان من الممكن إصلاحها قبل صدور الحكم.

 

والملاحظ أيضا أن مشروع ق.م.م اكتفى فقط باستنساخ بعض القواعد التي تتضمنهما
المادتين الأولى و32 من قانون المسطرة المدنية النافذ حاليا مع التشدد في البيانات التي يجب
تضمينها في المقال الافتتاحي للدعوى بالتأكيد على أن تلك البيانات إلزامية تحت طائلة عدم
قبول الدعوى وكأن الأمر يتعلق بعريضة النقض لأن واضعي مشروع ق.م.م استلهموا هذه
القاعدة من نص المادة 355 من ق.م.م الحالي.

 

نص مشروع ق.م.م على نوعين من الشكليات التي يجب احترامها عند تقديم المقال
الافتتاحي للدعوى. الشكليات التي تتضمنها المادة 11 من المشروع وتلك التي نصت عليها
المادة 77، والفرق بينهما أن الأولى مرتبطة بالنظام العام فحين أن الثانية ليست كذلك
والإجراءات تختلف باختلاف طبيعة الشكلية.

 

الشكليــة في إطــــار المــادة 11 من المشــــروع:
تنص المادة 11 من المشروع على أن المحكمة تثير تلقائيا انعدام الأهلية أو الصفة أو
المصلحة أو الإذن بالتقاضي إذا كان ضروريا. ولا يمكن للمحكمة أن تصرح في هذه
مقترحات بشأن الأحكام الصادرة بعدم قبول الدعوى في إطار المادتين

11 و77 من مشروع ق.م.م

 

 

الحالات، بعدم قبول الدعوى إلا إذا أنذرت الطرف المعني بتصحيح المسطرة داخل أجل
تحدده.

الملاحظ أن المادة 11 لا تشير بتاتا إلى الحالة التي تقضي فيها المحكمة بعدم قبول
الدعوى دون إنذار الطرف بإصلاح المسطرة ولو تعلق الأمر بشروط شكلية مرتبطة بالنظام
العام.

مشروع قانون المسطرة المدنية لم يرتب أي جزاء أو آثار قانونية عن عدم احترام
المحكمة لمسطرة إنذار الطرف بإصلاح المسطرة ويضطر المتقاضي إلى رفع الدعوى من
جديد وأداء رسوم قضائية جديدة غير مستحقة إطلاقا مع العلم أن المحكمة كانت مقصرة عند
إصدارها الحكم بعدم قبول الدعوى دون احترام نص المادة 11 من المشروع.

 

نقترح بأن يتم تعديل نص المادة 11 من المشروع والتنصيص صراحة على ما يلي:
" إذا أصدرت المحكمة حكما بعدم قبول الدعوى دون إنذار الطرف المعني بإصلاح
المسطرة، يكون الحكم باطلا ويعفى رافع الدعوى من أداء الرسوم القضائية إن ارتأى رفعها
من جديــــد

هذا مقترح ينسجم وروح المادة 11 من المشروع لأنه لا ينفع التكلم على قاعدة
مسطرية لا جزاء عند خرقها.

 

الشكليــــة في إطــار المـــادة 77 من المشــــروع:

الشكليات المنصوص عليها في المادة 77 من المشروع لا تتعلق بالنظام العام ولهذا لم
تلزم المادة 77 المحكمة بإنـذار الطرف المعني بإصلاح المسطرة وتقضي هذه المحكمة بعدم
قبول الدعوى دون إنذار الطرف بإصـلاح المسطرة، وهذا وضع سلبي جدا لأن نظرية
الشكلية العادلة والمفيدة تقتضي بأن تعطي المحكمة الأهمية البالغة لجوهر الحق وليس لشكل
الدعوى.

 

تطرقت المادة 77 من هذا المشروع إلى الشكليات التي يجب أن يتضمنها المقال
الافتتاحي للدعوى وأضافت هذه المادة بأن هذه البيانات يجب تضمينها هذا المقال تحت طائلة
عدم القبول في حين أن المادة 32 من ق.م.م الحالي لا تشير إلى هذا الجزاء وفي ذلك تشجيع

 

 

للقاضي على التصريح بعدم قبول الدعوى بدليل صراحة المادة 77 من المشروع والذي
لأول مرة ينص صراحة على أن البيانات الشكلية للمقال يجب أن يشار إليها تحت طائلة عدم
القبول. إلى جانب هذا التوجه الجديد الذي يبتعد كثيرا عن روح ومبادئ نظرية الشكلية
العادلة والمفيدة، لم تمنح نفس المادة 77 من هذا المشروع أي دور إيجابي للقاضي بحيث
استنسخت نفس القواعد التي يتضمنها الفصل 32 من ق.م.م الحالي والذي لا يلزم القاضي
بضرورة إنذار الطرف بإصلاح المسطرة الذي تتضمن إخلالات شكلية.

 

تشير الفقرة الأخيرة من المادة 77 من المشروع إلى أن رئيس الهيئة أو القاضي المقرر
أو القاضي المكلف بالقضية ينذر عند الاقتضاء كل طرف أو وكيله أو محاميه بتدارك
البيانات غير التامة أو التي تم إغفالها وبالإدلاء بنسخ المقال الكافية وبالمستندات المعتمدة في
المقال وذلك داخل أجل يحدده، تحت طائلة الحكم بعدم القبول.

 

فالملاحظ أن تدخل القاضي في إصلاح المسطرة هو مجرد احتمال إذ لا يلزم بإنذار
الطرف المعني بالإخلال الشكلي بضرورة إصلاح المسطرة ويصدر رغم ذلك حكما بعدم
القبول مع ما يترتب عن ذلك من ضياع للوقت ومن مصاريف إضافية بعد أن يلزم الطرف
الخاسر للدعوى لسبب شكلي بأداء الرسوم القضائية مرة ثانية.

 

وكان على المشرع أن يلزم القاضي بضرورة إنذار الطرف المعني بإصلاح المسطرة
داخل أجل يحدده تحت طائلة بطلان الحكم الصادر بعدم قبول الدعوى ما لم يتعلق الأمر
بخلل شكلي لا يمكن تجاوزه أو إصلاحه. كما يجب على المشرع أن يعفي الطرف الذي يرفع
الدعوى من جديد بعد أن صدر حكم نهائي بشانها في هذا الإطار من أداء الرسوم القضائية
التي تم أداؤها لأن الرسوم مبدئيا لا تؤدى إلا مرة واحدة.

 

حاولت المادة 77 من مشروع قانون المسطرة المدنية تحقيق جزء بسيط من مبادئ
نظرية الشكلية العادلة والمفيدة من خلال اعتماد الفقرة الاخيرة من هذه المادة والتي تتضمن
صراحة ما يلي :  في حالة عدم توقيع المقال، ينذر الطرف أو الوكيل أو المحامي
بتصحيح المسطرة حالا أو داخل أجل تحدده المحكمة، تحت طائلة الحكم بعدم القبـــول
هذه القاعدة المسطرية التي تبدو عادلة ومفيدة يمكن أن تثار بخصوصها عدة
ملاحظات:

 

 

– لماذا لا تعمم هذه القاعدة على باقي الإخلالات الشكلية كعدم تضمين المقالات
البيانات المنصوص عليها في المادة 77 من هذا المشروع؟

– ما الفرق بين عدم توقيع المقال وبين تضمين هذا المقال بيانا غير صحيح كوجود
خطأ في الاسم العائلي أو الشخصي لأحد أطراف الدعوى؟

– إذا كان من الممكن تصحيح المقال غير الموقع بإنذار صادر عن المحكمة فلماذا لا
يمتد هذا الإنذار إلى باقي البيانات الأخرى؟

– لم يتطرق المشروع إلى الحالة التي يصدر فيها حكم بعدم قبول الدعوى لعدم توقيع
المقال من طرف المعني بهذا الإخلال دون أن تقدم المحكمة على إنذاره بتصحيح
المسطرة. الملاحظ أن الالتزامات لا تخص إلا المتقاضين دون أن تكون المحكمة
ملزمة وجوبا بإنذار الطرف بتصحيح المسطرة

– نظرية الشكلية العادلة والمفيدة تقتضي في هذه الحالة أن تكون المحكمة مسؤولة
عن هذا الإخلال وأن يعفى الطرف من أداء أية رسوم قضائية ما عدا تلك التي سبق
أداؤها.

تابعنا على Google news
شاهد أيضا

أضف تعليقك

هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie اوافق لمزيد من المعلومات، يرجى قراءة سياسة الخصوصية

سياسة الخصوصية