المادة 216 من مشروع ق.م.م: إلزامية استكمال البيانات الشكلية للمقال الاستئنافي

الأستاذ محمد سكام

 

تنص المادة 216 من مشروع ق.م.م على أن المقال الاستئنافي يجب أن يتضمن عدة بيانات شكلية، وأن المستشار المقرر ينذر عند الاقتضاء الطرف المستأنف باستكمال البيانات الشكلية غير التامة أو التي وقع إغفالها داخل أجل يحدده تحت طائلة عدم القبول.

 

الملاحظ أن واضعي المشروع ومن خلال المادة 216 تفطنوا نسبيا إلى بعض الجوانب المرتبطة بنظرية الشكلية العادلة والمفيدة وأجازوا لقضاة محكمة الاستئناف التدخل الإيجابي لإتاحة الفرصة للطرف المعني بإصلاح المسطرة وتفادي صدور قرار بعدم قبول الاستئناف شكلا، لكن في نفس الوقت يظل هذا التدخل احتماليا ولم يلزم المشروع القضاة بضرورة إنذار الطرف المعني بإصلاح المسطرة ، وهذه قاعدة تتقاسمها المادة 216 مع المادة 77 من المشروع.

 

فلماذا يجب أن يكون تدخل قضاة محكمة الاستئناف لإنذار الطرف بإصلاح المسطرة تدخلا إلزاميا وليس احتماليا؟
من المعلوم أن صدور قرار بعدم قبول الاستئناف شكلا لا يتيح للطرف المعني بهذا القرار رفع استئناف جديد كما هو الحال بالنسبة للأحكام الابتدائية الصادرة بعدم قبول الدعوى، وهذا يعني بأن التدخل الإلزامي لقضاة محكمة الاستئناف لإنذار الطرف المعني له مبرراته الموضوعية خصوصا إذا كان الطعن بالاستئناف وجيه من حيث الموضوع.

 

الملاحظ أيضا أن محتوى المادة 216 من المشروع تعتبر خارج السياق التاريخي الذي صدر فيه بحيث أن سنة 2024 تعتبر سنة فاصلة من ناحية التطور التكنولوجي واعتماد العدالة الرقمية بحيث أنه لا داعي لسن بعض المقتضيات المتجاوزة واقعا كالتشطيب على عريضة الاستئناف إذا لم يقدم المستأنف عددا كافيا من النسخ من هذه العريضة مساو لعدد الأطراف، أو عند التصريح بعدم قبول الاستئناف شكلا لنفس العلة، وهذا ما نصت عليه الفقرة الخامسة والسادسة من المادة 216.

 

فهل يعقل في سنة 2024 أن يتم اعتماد مثل هذه المقتضيات التي سنها المشرع سنة 1913 إبان الحماية، وكانت آنذاك آلة النسخ غير موجودة. فمن المؤسف أن يتم اعتماد مثل هذه المقتضيات العتيقة والمتجاوزة التي لا مبرر لاعتمادها خصوصا أن المحكمة يجب أن تهدف إلى إحقاق الحق لا أن تضيع الوقت في إجراءات لا طائل من ورائها خصوصا أن العمل القضائي في هذا الجانب يعتمد مقاربة إيجابية لم يأخذها المشروع بعين الاعتبار.

 

اعتمدت المادة 216 من المشروع نفس المقتضى الذي تضمنته المادة 77 منه ذلك أنها تشير صراحة إلى أنه في حالة عدم توقيع المقال ينذر المستشار المقرر الطرف أو الوكيل أو المحامي بتصحيح المسطرة داخل أجل يحدده تحت طائلة الحكم بعدم القبول، لكن هذا المقتضى لا يشير إطلاقا إلى مصير القرار الاستئنافي إذا صدر بعدم قبول الاستئناف شكلا لهذا السبب دون إنذار المستأنف بتصحيح المسطرة. وقد يقول قائل بأن هذا القرار يكون معرضا للنقض لخرقه مقتضيات المادة 216، لكن هذا يعني بأنه يجب أن ننتظر موقف محكمة النقض من خرق المادة 216 فحين أنه كان بالإمكان الحسم فيها بنص قانوني يشار فيه بأن القرار الاستئنافي يكون في هذه الحالة باطلا وغير منتج لأي أثر قانوني ومعرضا لإعادة النظر أو للنقض لهذا السبب.

 

الملاحظ أن المستشار المقرر إذا كان يتدخل لتنبيه الطرف المعني بضرورة توقيع المقال الاستئنافي، فلماذا لا يتدخل عموما بالنسبة لجميع الاختلالات الشكلية المتعلقة بالطعن بالاستئناف مع استثناء الإخلالات الأخرى التي لا يمكن تصحيحها كالطعن خارج الأجل؟
من هذا المنطلق يتعين اعتماد القواعد التالية من خلال تعديل المادة 216 من المشروع:
حذف جميع المقتضيات التي تضمنها المشروع والتي تعتبر متجاوزة حتى قبل نشر نص القانون بالجريدة الرسمية إذ أنها ستولد ميتة وذلك مع اعتماد العدالة الرقمية؛

– يجب أن ينص المشروع، طبقا لقواعد نظرية الشكلية العادلة والمفيدة، على أنه طبقا للمادة 216، لا يمكن لمحكمة الاستئناف أن تصرح بعدم قبول الطعن بالاستئناف شكلا إلا بعد إنذار الطرف المستأنف بتصحيح المسطرة اللهم إذا تعلق الأمر بخلل شكلي ومسطري لا يمكن تصحيحه كوقوع الطعن خارج الأجل، لكن على القرار أن يبين أن الأمر يتعلق بخلل لا يمكن فعلا تجاوزه أو تصحيحه؛

– يجب أن تنص المادة 216 من المشروع على أن القرار الاستئنافي الذي يصدر خلافا لهذه القواعد يكون باطلا وغير منتج لأي أثر قانوني ويكون في نفس الوقت معرضا للإلغاء عن طريق الطعن فيه بإعادة النظر أو بالنقض باختيار الطرف الذي له مصلحة ظاهرة في سلوك مسطرة الطعن.

 

هذه بعض الملاحظات القانونية والعملية التي تفيد بأن المشروع الحالي متجاوز جدا حتى قبل اعتماده، و نرى بأن الشجاعة الأدبية تقتضي أن يسحب هذا المشروع مؤقتا ويعرض على لجنة مكونة من ذوي الاختصاص بغرض حماية حقوق المتقاضين وتحقيق مسطرة مدنية تستجيب لقواعد نظرية الشكلية العادلة والمفيدة التي تؤكد بأن القانون الإجرائي وضع لحماية جوهر الحق وليس لحماية المسطرة التي تعتبر فقط وسيلة للوصول إلى هذا الحق.

تابعنا على Google news
شاهد أيضا

أضف تعليقك

هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie اوافق لمزيد من المعلومات، يرجى قراءة سياسة الخصوصية

سياسة الخصوصية