اللغة المبتذلة في الدراما العربية وتأثيراتها السلبية على المجتمع

تعد الدراما العربية واحدة من أهم أدوات التعبير الثقافي والفني، إذ تعكس واقع المجتمع وتعبر عن قضاياه الاجتماعية والسياسية، ومع تطور هذه الصناعة وانتشارها الواسع برزت ظاهرة مثيرة للجدل تتمثل في الاستخدام المتزايد للغة المبتذلة في الحوارات الدرامية، حيث باتت بعض الأعمال تلجأ إلى الألفاظ النابية والعبارات المسيئة كوسيلة للإثارة أو الواقعية المفرطة، وعلى الرغم من أن البعض يرى في ذلك انعكاسا لحقيقة بعض البيئات الاجتماعية، إلا أن هذا التوجه يحمل في طياته تأثيرات سلبية عميقة على الجمهور والمجتمع بشكل عام.
إن انتشار هذه الظاهرة عبر وسائل الإعلام الحديثة يجعلها مؤثرة بشكل كبير، خاصة على الفئات العمرية الصغيرة مثل الأطفال والمراهقين، الذين قد يعتبرونها نموذجا مقبولا للتواصل اليومي، وهذا بدوره يؤدي إلى تراجع الذوق العام في التخاطب، وانتشار ثقافة الحوار القائم على الإساءة والتجريح بدلا من الاحترام والتفاهم.
ومع مرور الوقت، تصبح هذه الألفاظ جزءا من الخطاب اليومي، مما يهدد الأسس الثقافية والتربوية للمجتمع.
إضافة إلى ذلك، تعد اللغة جزءا أساسيا من الهوية الثقافية لأي أمة، وعندما تتبنى الدراما ألفاظا مبتذلة فإنها تسهم في إضعاف هذه الهوية وتشويهها، فاللغة العربية تتميز بغناها الفصيح ولهجاتها المتنوعة التي تعكس إرثا ثقافيا عريقا، إلا أن الاستخدام المتكرر للألفاظ السوقية قد يؤدي إلى طمس هذا التنوع اللغوي الأصيل واستبداله بخطاب هجين يفتقر إلى الجمالية والتعبير الراقي وهذا الأمر لا يقتصر على التأثير الداخلي فقط بل يمتد إلى الصورة التي تصدرها الدراما العربية إلى العالم الخارجي، حيث تصبح هذه الأعمال مرآة غير دقيقة تعكس مجتمعاتنا بصورة سلبية، مركزة على الصراعات الحادة والعنف اللفظي بدلا من الجوانب الإبداعية والثقافية الراقية.
لذلك من الضروري أن تعيد الدراما العربية النظر في أسلوبها اللغوي، بحيث تقدم حوارات تعكس الواقع الاجتماعي ولكن بأسلوب يحترم الذوق العام والقيم الثقافية، فالفن قادر على معالجة القضايا الحساسة بأساليب راقية دون الحاجة إلى الإسفاف اللغوي، ويمكن للمخرجين والكتاب توظيف عناصر أخرى مثل التصوير السينمائي، الموسيقى، والإيحاءات البصرية لنقل المشاعر والأفكار بعمق وتأثير، دون المساس بجودة الحوار أو انتهاك الذائقة العامة.
وعليه يمكننا القول إن الدراما العربية بما لها من تأثير واسع، تحتاج إلى تطوير خطابها اللغوي بحيث يسهم في تعزيز القيم الاجتماعية والثقافية، بدلا من تكريس أنماط سلبية في التواصل وعبر الالتزام بلغة راقية ومتوازنة، وبذلك يمكن للدراما أن تؤدي دورها الحقيقي في الارتقاء بالوعي الجماهيري وتحسين الصورة الثقافية للمجتمعات العربية على الصعيدين المحلي والعالمي.
بقلم د.عماد هادي الخفاجي، بغداد