أمينة عباس-دمشق
كثيرة هي العادات التي ما زال السوريون يحرصون على استمرارها في شهر رمضان على الرغم من كل الظروف الصعبة التي مروا بها وجعلت بعضها يغيب عنهم، ومن هذه العادات التي ما زالوا يتمسكون بها ترحيباً برمضان شهر التجلي الروحي ما يسمى بـ “تكريزة رمضان” وهذه “التكريزة” ارتبطت بمدينة دمشق بشكل خاص، نظراً لتاريخها العريق وتنوع الحضارات التي تعاقبت عليها، وقد ظهرت في العصر المملوكي وكانت تُقام في الأصل كجزء من توديع شهر شعبان واستقبال شهر رمضان المبارك.
لم يُعرف سبب تسمية “التكريزة” بهذا الاسم، لكنها تبقى توديع شهر شعبان، والاستعداد لاستقبال شهر رمضان، وبهذا فقد قال بعضهم أن معنى “التكريزة” هو الوداع، في حين تشير المصادر التاريخية إلى أن أصل كلمة “تكريزة” يعود إلى اللغة السورية القديمة، وقد حاول بعض المؤرخين تحويلها إلى “كزدورة” التي تعني مشواراً قصيراً أو نزهة يقوم بها الأهل والأصدقاء والجيران قبل رمضان بيوم أو يومين في أحضان الطبيعة، وكانت هذه النزهات تقام في الماضي بمناطق في دمشق مثل الغوطة الشرقية والربوة ودمّر والهامة، حيث الطبيعة الخلابة ليستمتع المشاركون بوجبات الطعام مع الغناء وتبادل الأحاديث ضمن أجواء مليئة بالفرح والترابط الاجتماعي، والتي لا يغيب عنها أحد لا فقير ولا غني وفيها ينشغل الشباب والرجال بألعاب مثل الطاولة والمنقلة والبرسيس والتي كانت تُضفي جواً من المرح والتنافس الودي بين المشاركين، وفي نهاية اليوم يتوجه المشاركون للدعاء بأن يعم الخير والسلام ثم يتبادلون التهاني والنصائح، خاصةً من كبار العائلة الذين يشجعون على الصيام والعبادة والتسامح وحل الخلافات وزرع المحبة مكانها، وكانت هذه المناسبة فرصةً لتعليم الأجيال الصغيرة قيم التسامح والمحبة.
اليوم ما زالت العائلات الدمشقية تقوم بهذه العادة كنوع من المحافظة على تقاليد الآباء والأجداد وللتأكيد على صلة الرحم والقربى، ولكن أصبحت تقام في الحدائق القريبة أو في البيوت حيث تتجمع العائلات في بيوت الأهل والأصدقاء ليتشارك الجميع تعزيزاً لروح التعاون والترابط بين أفراد العائلة والأقرباء بإعداد الأطباق المخصصة لهذا اليوم وهو كل ما يُطبخ باللبن مثل الكبة اللبنية والشيش برك وشيخ المحشي كرمز للتفاؤل بشهر الصيام ثم يقومون بتوزيع جزء من الطعام على الجيران، كما تقوم بعض العائلات السورية المقتدرة مادياً -على قلّتها اليوم- عند رؤية هلال رمضان أو قبله بيوم بتوزيع كميات كبيرة من اللحم والسكر والأرز على الفقراء والمحتاجين استعداداً للصيام ليكون رمضان دورة إيمانية روحية موسمية يحرص فيها أهل دمشق على التقرب إلى خالقهم بشتى أنواع التقرب من قراءة القرآن إلى أداء الصلوات في وقتها جماعة في المساجد، وكذا صلة الأرحام والصدقات والزكاة والتواصل مع الجيران والأصدقاء وذوي الحاجات وصلوات النوافل وعلى رأسها التراويح، وكذلك تجهيز وجبات الطعام المنزلية وتوزيعها على الجيران.
أضف تعليقك