أعلنت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أن فاتح شهر شوال لعام 1446 هـ يصادف الإثنين 31 مارس 2025 م وفي هذا اليوم يحتفل المغاربة المسلمون بعيد الفطر ومع هذا الاعلان لا بد من التذكير في أصل عادات الاحتفال بهذا العيد وتطورها خاصة أن المؤرخ فرنان بروديل أكد من خلال مصطلح الزمن الطويل أن التحولات الثقافة تستغرق فترات طويلة . بمعنى آخر إن كل عادة من عادات المغاربة اليوم لها بكل تأكيد جذور تاريخية ، وعليه سنغوص هنا في تاريخ المغرب بدء من الدولة المرابطية في العصور الوسطى .
برزت هذه العادات بوضوح في عهد الدولة المرابطية مع تشكل الدولة المغربية الأولى بعدما انفصل المغرب عن المشرق سياسيا، وكان عيد الفطر مناسبة دينية مركزية تهدف أساسا إلى تعزيز السلطة السياسية فكان الأمراء المرابطون مثل يوسف بن تاشفين يترأسون صلاة العيد في المصليات الكبرى بالعاصمة مراكش لإبراز دورهم كحماة للدين كما كانت خطبة العيد ترتكز على موضوعات مثل تعزيز الالتزام بوحدة القبائل وولائهم للدولة كما أكد ذلك ابن عذاري في كتابه بيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب ورغم أنه لم يشر بالتحديد إلى خطب عيد الفطر فإنه أكد أن الخطب الدينية تسير في هذا الاتجاه، الى جانب صلاة العيد نجد أيضا تقديم وتوزيع الزكاة والصدقات التي كانت عبارة في بعض الأحيان عن موائد عامة للطعام يقيمها الأمراء في المدن الكبرى (سجلماسة – فاس – مراكش …) ، كما كان المغاربة يتناولون الكسكس وايضا الخبز مع العسل في وجبات هذا اليوم .
أما في فترة الدولة الموحدية التي تعتبر وريثة الدولة المرابطية فقد ظلت العادات نفسها تقريبا قائمة من صلاة العيد وزيارة الأهالي وتوزيع الزكاة والصدقات إلا أن خلفاء الدولة الموحدية كانت لهم أهداف إصلاحية (جانب ديني ) من خلال نشر عقيدتهم باستغلال الخطب الدينية وأيضا لإبراز نفوذ الدولة وعظمتها وهي التي امتد نفوذها إلى إفريقية شرقا (تونس حاليا ) كأهم منطقة نفوذ في الشرق وإلى الأندلس من خلال استقبال الولاة التي تقدم التحية والهدايا للخليفة يوم العيد .
فمع استمرار مستوى الاقتصادي يعتبر متميز بالرغم من تراجع النفوذ السياسي المغربي وبداية الانهيار إلا أن سيطرة المغرب على طرق التجارة العابرة للصحراء ظلت مستمرة لفترة طويلة مما ساهم في الازدهار الاقتصادي ، كما أن المغرب في هذه الفترة استفاد من التراكمات التي حدثت نتيجة لتوالي قرون من الازدهار في جل الميادين، مما أثر بشكل مباشر في تطور عادات وطرق الاحتفال بالعيد فإلى جانب صلاة العيد وإخراج الزكاة التي ظلت ثابتة باعتبارها أساس العيد أصبح ارتداء الملابس الانيقة أمرا أساسيا نتيجة لتطور صناعة النسيج في فاس ومراكش وكذا مدن أخرى مثل الرباط إضافة إلى ذلك لعبت المأكولات دورا مهما في الاحتفالات حيث ظهرت حلويات اللوز التي تعتبر النواة الأولى لحلوى كعب الغزال المعروفة اليوم في المغرب إلى جانب الطواجن فضلا عن الأكلة الأقدم وهي الكسكس، وهذه العادات تختلف من منطقة إلى أخرى نتيجة لاختلاف الوضع الاقتصادي حيث كان سكان المدن التجارية الكبرى أكثر حرصا على تطبيق تفاصيل العيد مقارنة بسكان الأرياف الذين كانت حياتهم أقل رفاهية نظرا الى طبيعة نشاطهم الاقتصادي الذي يعتمد على الزراعة التي كانت تعاني من أزمات جفاف متتالية.
إلا أن الأوضاع الاقتصادية في المغرب ستسوء بعدما تزعمت الملكتان الايبيريتان العالم في مجال الاكتشافات الجغرافية معلنتين عن بداية عصر جديد كان المغرب فيه من أكبر الخاسرين ولما لا وقد وصلت البرتغال إلى السواحل الأفريقية (السودان الغربي ) وأصبحت هذه المناطق تتاجر مع أوروبا بشكل مباشر ، فاقدا بذلك المغرب دوره كوسيط تجاري ومعه المكاسب الاقتصادية، وهكذا اتسم عهد الدولتين السعدية والعلوية بتراجع في معظم الميادين إلا أن احتفالات بالأعياد ظلت تحتفظ بطابعها الخاص حيث حافظ المغاربة على تقاليد الاحتفال بها، و كانت المأكولات جزءا أساسيا من العيد الفطر إذ اشتهرت أطباق مثل السفنج والرفيسة والبغرير. والبسطيلة والكسكس وايضا المروزية كما كانت هناك احتفالات شعبية أيضا واستعراضات أبرزها الفروسية التقليدية (التبوريدة).
رغم كل ما راكمه المغاربة من عادات وتقاليد عبر تاريخهم الطويل فإنها أصبحت اليوم معرضة للنسيان مع انتشار نظرة نقدية تعتبر هذه العادات عاملا في تعطيل وتجميد الحضارة الإسلامية في فترة زمنية غير مرغوب فيها مما يجعل هذه المجتمعات متخلفة وغير قابلة للتطور وفقا لهذا الطرح، فإن النموذج الياباني يتبث العكس فاليابان آخر دولة تطورت في ظل الرأسمالية حافظ مواطنوها على هويتهم وعاداتهم والبيت الياباني خير دليل على ذلك .
أكرم الشوادلي
أضف تعليقك