يتخذ التصوف المغربي مكانة متميزة في جغرافية التصوف ويعتبر مرآة تعكس الذهنية المجتمعية من خلال بعض الطقوس والممارسات التي اتخذت شكل العادة ومن الأكيد أنها ليست عبادة، من تمثلات التصوف تحوله عند البعض إلى ممارسات طقوسية، وهنا نطرح السؤال: لماذا يلجأ المغاربة لزيارة الأضرحة؟ وكيف وزع عليها تخصصات معينة؟ وماهي الطقوس المصاحبة؟
للإحاطة بعالم التصوف والمتصوفة هو أمر أكبر من أن يكتب عنه مقال أو استطلاع صحفي، لكونه مجال يضرب في عمق التاريخ الاجتماعي للمغرب، وله ارتباط بعدة جوانب تخص العامة والخاصة، حيث من المكن أن نحدد الخاصة فيمن لهم السلطة دنيوية أو دينية، والعامة باقي الطبقة الشعبية.
وتبرز السلطنة الدينية التي نلامسها من خلال محاولة تقفي أثر أحد أشهر المتصوفات في تاريخ المغرب “لالة عيشة البحرية” او “لالة عيشة البغدادية”، صاحبة الكرامة التي تتمتع بسلطة نافذة عند الشَابات الراغبات في الزواج فقد ذاع صيت صاحبة الضريح الواقع على الجهة اليمنى من مصب نهر أم الربيع في المحيط الأطلسي قبالة مدينة أزمور، هذا الفضاء الذي تلجأ إليه البنات ممن تأخر عليهن النصيب لزيارة الضريح وطلب البركة حاملين معهن المرفودة صغيرة أو كبيرة مع النية الخالصة بأن المقصود قادم لا محال.
قصة الحب التي عاشتها لالة عيشة البغدادية في بلادها الأصل العراق كما جاء في سيرتها أنها التقت في العراق بمولاي بوشعيب العالم المغربي وعشقته لما رأت فيه من صلاح الأمر إلا أن أهلها أبو أن يزوجوها رجل لونه أسمر إلا أن عهد الوفاء طبع القلبين، إلى أن جمع بينهما الموت ودفنا في نفس المجال الجغرافي تفاصيل هذه القصة جاءت في واحد من أهم كتب التصوف كتاب “التشوف الى رجال التصوف”، من خلال ما تواتره عامة الناس عبر التاريخ؛ إذ أصبحت لالة عيشة مصدر بركة للباحثات عن الحب والزوج الصالح شريطة أن يحمل النية المٌبيتة لقضاء المراد ويحمل معه الشمع والحناء، تم يغتسلن جنب الضريح ويعلقن شيئا من أثرهن على شجرة تهزها الريح كما يفترض أن يهتز قلب الحبيب على محبوبته.
يعزز الأستاذ أحمد الوارث الباحث في تاريخ التصوف في المغرب بقوله “للنساء حضور وازن في دفاتر تاريخ المغرب، وإن كن قليلات، ومنهن لالة عيشة البحرية، التي طبقت شهرتها آفاق المغرب في الماضي والحاضر، وهي مصنفة ضمن طائفة الأولياء الصالحين، وتروى عنها أخبار تسبح بسيرتها في عالم العجيب الغريب”.
لجوء العامة للمتصوف او ضريحه هو بالضرورة علامة أزمة أو كرب ويقصده الناس حيا كان أو ميتا حين تتقطع بهم السبل ويبقى اللجوء للبركة أو القوى الخفية للمقصود بالكرامة، حاملين معهم الأمل في تحقق المنقبة وتغير الأحوال، هي أحلام بسيطة تنار على إثرها الشموع وتقدم الأعطيات كل حسب استطاعته وما نذر به ليتم تحقيق الغاية، بين الخيال والحقيقة هناك أسرار مخفية تحملها اسقف وقبب الأضرحة، فبركة أصحابها حية تُتداول بين الناس دون انقطاع في تساؤل لما لم يتخلى المغاربة عن زيارة الأولياء الصالحين الذين تعج بهم أرض المغرب الأقصى؟، هنا نجد أنفسنا في وقفة عميقة لفهم الذهنية المغربية بين التطور الحاصل والاستمرار المتواصل للموسم وما يحمله من تبجيل وطقوس.
سهام ماهر
أضف تعليقك