تعد الرواية الروسية الجريمة والعقاب لصاحبها دوستويفسكي فيودور من بين ابرز الروايات شهرة واهمية في مجال الأدب والعلوم النفسية وهذا ما أكده سيغموند فرويد مؤسس التحليل النفسي حين قال : دوستويفسكي هو الكاتب الوحيد الذي استطيع ان اتعلم منه شيئا في علم النفس ، كتبت الرواية عام 1866.في عصر الازدهار الأوروبي متأثرة به القيصرية الروسية .
لإدراك أهمية الرواية لا بد من الإشارة إلى مضمونها تدور أحداثها حول طالب جامعي فقير يدعى راسكولنيكوف روديون يعيش في مدينة سان بطرسبرغ ،دفعه فقره الشديد إلى جانب اعتقاده بوجود أفراد استثنائيين يحق لهم تجاوز القانون الأخلاقي إذ كان الهدف عظيما ونبيلا إلى ارتكاب جريمة استهدف امرأة عجوزا تقرض المال بفوائد عالية اعتبرها مصدر غضب ، فقرر قتلها وسرقتها لكن بعد تنفيذ الجريمة التي شملت قتل العجوز واختها بدأ يعاني من صراع داخلي عنيف أساسه الندم تفاقم بسبب التحقيقات المكثفة معه من طرف المحقق بورفيري بتروفيتش والشكوك المحيطة به!
احتل هذا الجانب النفسي الحيز الأكبر من الرواية ولأهمية هذا الشق عند دوستويفسكي إذ خصص له أربعة أجزاء من أصل ستة، صورت فيها أعراض القلق، الهلوسة، الخوف من انكشاف أمره ،تظهر في الرواية شخصية أخرى تدعى سونيا التي أجبرها فقرها هي الأخرى على العمل في الدعارة ورغم ذلك كان لها دور حاسم في دفع البطل للاعتراف بجريمته ودفعه نحو التوبة.
قد يعتقد البعض أن دوستويفسكي من خلال تصوير البطل وسونيا كفقيرين يروج لفكرة أن الفقر يقود دائما إلى الجريمة إلا أنه صور في الأخير لنا هاتين الشخصيتين وقد اعترفتا وكفرتا عن ذنبهما على عكس أليونا إيفانوفنا وأختها اللتين ماتتا دون أن تدركا مدى استغلالهم لحاجة الناس الى مالهم .
رغم عبقرية الرواية فإن الجريمة والعقاب ليست خالية من العيوب يعتبرها البعض مطولة خاصة في تحليل نفسية البطل مما يجعلها مملة كما أن عشاق القصص ذات الإيقاع السريع أو الحبكات السريعة قد لا يجدون فيها ما يرضيهم نظرا لتركيزها على الجوانب الفلسفية والدينية، وبالرغم من هذه العيوب فهي استطاعت أن تبرز أعمق قضايا الوجود الإنساني مثل الخير والشر وأيضا الحرية والمسؤولية والعلاقة بين الفرد والمجتمع فضلا عن تصوير تعقيدات الطبيعة البشرية ، كما ساهمت في ترسيخ الرواية النفسية كجنس أدبي .وفتح دوستويفسكي الباب من خلال هذا العمل عن أسئلة كبيرة لا تزال تثير اهتمام القراء أهمها هل يمكن تبرير جريمة بغاية نبيلة ؟.
قراءة: الشوادلي أكرم
