المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط 2025: احتفاء بالكلمة واستمرار لمسيرة التنوير

تحتفي العاصمة المغربية الرباط باحتضان الدورة الثلاثين للمعرض الدولي للنشر والكتاب، الذي يُعتبر أحد أهم الفعاليات الثقافية في العالم العربي وإفريقيا. هذا الحدث البارز خلال الفترة الممتدة من 17 إلى 27 أبريل 2025 يقام في فضاء OLM السويسي، ويجمع تحت سقفه نخبة من الناشرين، الكُتّاب، والمثقفين، إلى جانب جمهور شغوف بالمعرفة والقراءة. ومن المتوقع أن يحظى المعرض هذه السنة بمشاركة واسعة من دور النشر العالمية، إلى جانب فعاليات ثقافية متنوعة تجسد ثراء المشهد الأدبي المغربي والدولي.
في كل دورة، يختار المعرض دولة أو جهة ضيف شرف، وفي نسخة 2025، وقع الاختيار على إمارة الشارقة، التي أصبحت مرجعًا ثقافيًا عربيًا بفضل مشاريعها الرائدة في مجال النشر ودعم الكتاب. تحت قيادة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، نجحت الشارقة في تأسيس منظومة ثقافية متكاملة، توّجتها منظمة اليونسكو عام 2019 بمنحها لقب “عاصمة عالمية للكتاب”. خلال هذه الدورة، ستُنظم الإمارة سلسلة من الندوات والعروض الثقافية التي تعكس تجربتها في دعم النشر وصناعة الكتاب، إلى جانب إبراز التراث الإماراتي ضمن الفعاليات.
لم يعد المعرض مجرد فضاء لبيع الكتب، بل تحوّل إلى منصة للحوار الفكري والتفاعل الثقافي بين الكُتّاب والقراء. ستشهد دورة 2025 تنظيم ندوات أدبية وفكرية، تناقش قضايا تتراوح بين مستقبل النشر في العصر الرقمي، وأهمية القراءة في تشكيل وعي المجتمعات، إضافة إلى التحديات التي تواجه صناعة الكتاب في العالم العربي. كما سيتم تنظيم ورش عمل ولقاءات مباشرة مع مؤلفين مرموقين، مما يتيح للزوار فرصة فريدة للغوص في عوالم الأدب والفكر.
في الدورات السابقة، حقق المعرض نجاحًا متزايدًا، إذ استقطب أكثر من 500,000 زائر في نسخة 2024، بمشاركة 700 ناشر من 50 دولة. هذه الأرقام تعكس الاهتمام الكبير بالحدث، وتؤكد دوره في تعزيز ثقافة القراءة داخل المغرب وخارجه. ومن المتوقع أن تحقق دورة 2025 نجاحًا مماثلًا، خصوصًا مع التوسع في مشاركة دور النشر الرقمية والمبادرات الشبابية في مجال الكتابة والنشر.
يشكّل المعرض فرصة ذهبية لدور النشر المغربية لعرض إنتاجاتها والترويج للكتاب المغربي داخل السوق الدولية. كما يساهم في دعم الكُتّاب المحليين، خاصة الشباب، من خلال توفير منصات لتقديم أعمالهم والاحتكاك بأسماء بارزة في عالم الأدب والفكر. بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر المعرض فضاءً لتعزيز ثقافة القراءة لدى الأجيال الجديدة، من خلال برامج موجهة للأطفال واليافعين، تهدف إلى غرس حب الكتاب منذ سن مبكرة.
يأتي تنظيم المعرض في سياق اختيار الرباط كعاصمة للثقافة الإفريقية، وهو ما يعزز مكانتها كمركز للحوار الثقافي بين الشعوب. فالمدينة، بتاريخها العريق ومؤسساتها الثقافية، تُعد بيئة مثالية لاحتضان مثل هذا الحدث الضخم، خاصة مع ما توفره من فضاءات ملائمة للنقاشات الفكرية والعروض الثقافية.
إلى جانب المعرض الرئيسي، سيتم تنظيم أنشطة ثقافية موازية، تشمل عروضًا مسرحية، حفلات موسيقية مستوحاة من الأعمال الأدبية، ومعارض فنية تبرز علاقة الفن التشكيلي بالأدب. كما سيخصص ركن للأطفال، حيث سيتم تقديم ورش حكي وعروض تفاعلية تهدف إلى تحبيب القراءة للصغار.
في زمن يشهد تراجعًا ملحوظًا في معدلات القراءة، يُعتبر المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط مبادرة ضرورية لتذكير الأجيال المتعاقبة بقيمة الكتاب في بناء الفكر وتشكيل المجتمعات. إنه ليس مجرد حدث سنوي، بل منصة تُرسّخ أهمية القراءة كوسيلة للحوار والتنوير، وتجعل من الرباط مركزًا عالميًا للثقافة والفكر.
يُعتبر هذا المعرض مكسبًا كبيرًا للمغرب، حيث تأسس في الدار البيضاء، ثم نُقل قسرًا إلى الرباط، ولا يزال العديد من البيضاويين يطالبون بعودته إلى مسقط رأسه.
بفضل برنامجه الغني، ومشاركة نخبة من المثقفين والناشرين، يُعد المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط 2025 محطة رئيسية في الأجندة الثقافية المغربية والعربية. إنه مناسبة ليس فقط للاحتفاء بالكلمة المكتوبة، بل أيضًا لإعادة تأكيد دور الكتاب كجسر للحوار والتفاهم بين الثقافات. فسواء كنت من عشاق الأدب، أو باحثًا عن إصدارات جديدة، أو مجرد قارئ شغوف، سيكون هذا الحدث فرصة ذهبية لاكتشاف عوالم جديدة والانغماس في أجواء ثقافية استثنائية.
ايمان وليب
التعليقات مغلقة.