مع شيخ الاحتفالية الدكتور عبد الكريم برشيد زبيانات كازابلانكا للاحتفالية المتجددة

أعتز أنني عايشت تجربة عصر ذهبي، بالإبداع و التنظير والجدل و النقد، أعطى تجارب كبرى و حساسيات كبيرة، و إبداعات مختلفة، و أسماء لها وزنها قادت المرحلة ومازال الأثر و المنجز شاهدا، وضمن هؤلاء الكبار، الأستاذ عبد الكريم بر شيد؛ مؤلفا وصاحب نظرية في المسرح (المسرح الاحتفالي) تقاطعنا معها و اعتبرناها و نعتبرها مدرستنا التي قربتنا من الأسئلة الداخلية للإبداع، مؤخرا تتبعت كتابات الرجل الاسترجاعية و التذكيرية وكأنها دروس دعم تقول لنا عودوا إلى مقاعدكم، ولا تهجروا الدرس المسرحي، و تعالوا نتحاور من جديد مع نظرية تنادي دائما بالمسرح المتجدد، هذه الدروس الاسترجاعية تتبعتها عبر الفيس بوك إذ يطل علينا د.عبد الكريم برشيد كل ثلاث أيام بورقة أتابعها شخصيا، و حركت لدي السؤال الآن و الهنا أيننا من جدل الأمس و إبداعه، هل طوينا الصفحة قبل أن نقرأها جيدا؟ هل دخلنا لمرحلة القطيعة الابستيمولوجية مع المراحل القبلية، سيما وأصبحت المرحلة الآن تنعت بما بعد الدراما، وما بعد المسرح، هنا وجدت لزاما أن نجلس أرضا، ونستمع لشيخ الاحتفالية، يجدد لنا العلاقة مع الزاوية الاحتفالية.
الأصل في هذا الاحتفال أنه مرآة، وأن دور هذه المرآة هو أن تعكس حياة الناس الجوانية والرمزية، ليس كما هي هذه اله الحياة في الواقع، ولكن كما هي الحقيقة البعيدة أو الغائبة أو المغيبة أو المصادرة أو المؤجلة، ومهمة هذه المرآة هو أن تترجم الوقائع الواقعية والرمزية إلى لغات مادية محسوسة، وأن تقدمها في شكل أجساد حية متحركة، وفي شكل غناء ورقص وشعر ونثر وأضواء وظلال وألوان وأصباغ وأقنعة وشموع وقناديل (والمطلوب من هذه المرآة أن تكون صادقة، وأن تكون صادمة، وأن تكون فضولية، وأن تكون ساخرة، وأن تكون مشاغبة ومشاكسة ومستفزة، وأن تكون مسطحة مرة، وأن تكون محدبة مرة أخرى، وأن تكون مقعرة أحيانا، وأن تكون مخادعة وماكرة في أغلب الحالات) والذهاب إلى الاحتفال يبدأ دائما من مساءلة المرآة، والفرد في حياته اليومية يستعين بهذه المرآة حتى يطمئن على صورته، وكذلك الأمر بالنسبة للمجتمعات، فهي مطالبة بأن ترى وجهها الحقيقي في مرآة الحقيقة، وهل هناك مرآة أصدق من مرآة المسرح؟ )
وبحسب ابن عربي، في كتاب ( الفتوحات المكية) فإن العدم ليس معناه اللاوجود، لأن مثل هذا العدم اللاموجود، يمثل الوجه الآخر للوجود الحق، والذي قد يكون هو الحقيقة الغائبة او هو الحقيقة المغيبة او هو الحقيقة المنسية او هو الحقيقة المعتقلة أو هو الحقيقة المقيدة او هو الحقيقة المهربة، وعن هذه الحقيقة، في بعديها النسبي والمطلق، يبحث المسرحي الاحتفالي، والتي قد يكون لها وجود فينا، وتكون قريبة جدا منا، ونحن لا ندري، وفي هذا المسرح نتمرن على الحياة، ونتمنى على الرؤية والرؤيا، ندخل حياتنا لمختبر الوجود، ونضع حالاتنا و مقاماتنا وعلاقاتها و اختياراتنا تحت المجهر، فنصبح اكثر احساسا واكثر علما واكثر وعيا بوجودنا
في هذا المسرح لا نرى إلا اجسادنا وارواحنا، وقد نتخيل اننا نرى ذلك الآخر البعيد عنا، والذي قد توهم انفسنا وتدعي بان من في مرايا المسرح ليس نحن، وان عطيل ليس نحن، وان عملت ليس نحن، وان ابن الرومي ليس نحن، وان عبد السميع ليس نحن
ومن المؤكد ان ما لا تراه انت، وأن ما قد لا أراه انا، يصعب علينا فهمه ويصعب تفسيره احيانا، وهذا لا يعني انه غير موجود، مما يعني ان العدم موجود في كثير من الأذهان الفارغة والخاوية، ووجود ايضا في كثير من العيون العمياظ، وموجود في كثير من الآذان الصماء، وبهذا تكون فقط في الأمية، ويكون في عقول كثير من الأميين كثير من الظلامية وكثير من العدمية وكثير من اللا ادرية
ويقول الاحتفالي بان الأصل في الوجود هو الحضور، والذي قد يكون حضورا هنا او هناك او في اي مكان خارج المكان، او في اي زمان خارج الزمان، وبهذا يكون الفن حياة أخرى خارج كل الأمكنة وخارج كل الأزمنة وبهذا يكون الموت في الإبداع حضور، ويكون كبار المبدعين في درجة الخلود وفي مقام الابدية الذي، وهذا ما جسده و شخصه الكاتب الاحتفالي في كثير من المسرحيات
والموت اذن، هو الوجه الاخر الحياة، او هو محطة اخرى او انه درجة اخرى من درجات الحياةومن مقامات الفعل الحيوي
وفعل الاحتفال ماذا يمكن ان يكون سوى انه الوجود في الوحود، وانه حضور في المكان وحضور في الزمان، وانه بعد هذا فعل فاعلين له معناه وله مبناه في التاريخ، ويتجلى هذا الحضور في وجود جسد انساني حي، جسد يحركه عقل يفكر، وله نوافذوشرفات مفتوحة على العالم الخارجي،، وله مخيلة لصناعة الصور والمشاهد،
وبخلاف المسرح التجريبي، في المبدع على لغة الجسد,،الاحتفالية لا ترى الانسان جسدا فقط، ولا تراه مجرد آلية ميكانيكية منفصلة عن الطبيعة، ولا عن الأشياء داالمادية، وهي تقول مع الفيلسوف الفرنسي ميرلو بونتي بان وجود عصا في يد الضرير ليست شيئا منفصلا عن جسده، فهي عينه الأخرى، وهي حاسة اللمس ايضا، وهي بهذا امتداده الخارج، وهي جزء منه جسده
يقول ذ محمد اوموليد من مدينة تيفلت، والذي كان قريبا من من مولد هذه الاحتفالية بمدينة الخميسات في بداية السبعينات من القرن الماضي،(حقيقة أن هذا الرجل..الدكتور عبد الكريم برشيد ..اول من وضع اللبنة الأولى للمدرسة الاحتفالية بالمغرب..بتقديمه تأليفا و أخراجا.. مسرحية اختار لها من العناوين.. كانطلاقة محمودة و منشودة :
( الحومات). زمنها كان الفن الاحتفالي الملتزم بالمغرب في حاجة ماسة لهذا اللون من المسرح..تزامنا مع باقي المدارس المتنوعة الاخرى و المختلفة المشارب و الصيغ و الاهداف.خاصة و الساحة كانت تمر بأصعب المراحل السياسية.
مع العلم انه كانت بعض العروض غالبا ما تلتجيء لعنصر الترميز كي تنفلت من صرامة لجنة التحكيم و التي كانت بالمرصاد .. لتفرض وجودها عرضا في مسرح الهواة .
و دون ريب يذكر ..فإن المدرسة الاحتفالية للدكتور عبد الكريم برشيد.. بفضل مجهوداته المبذولة و المتقطعة النظير..استطاعت أن تتبوء مكانتها في أعلى درجات العمل الدرامي المغربي.. داخل المغرب و خارجه…ليفرض وجوده كعمل جاد بكل ما تحمل الكلمة من معنى..بعيدا كل البعد عن البهرجة …و سوء التدبير..