افتتاحية ملف اليوم العالمي للكتاب: اليوم العالمي للكتاب احتفاء بالوعي البشري

مما لا شكَّ فيه، أن تخصيص يوم عالمي للكتاب، هو في حقيقته احتفاء بالوعي البشري، وبما أنجزه هذا الوعي عبر تاريخه الطويل من منجزات معرفية وعلمية وإبداعية ، شكّلت الأعمدة المتينة التي قامت عليها الحضارة الإنسانية. وكلنا نعرف أن الوعي البشري ما كان له أن يتطور لولا وجود وعاء قادر على تجميع ملاحظات البشر للأشياء المحيطة بهم، وتجاربهم في التعامل معها، ومن ثم تداول هذه الخبرات، والبناء عليها، حتى تم إنجاز كل ما وصلت إليه البشرية اليوم، من علوم وفلسفات وفنون وآداب وقوانين وأنظمة واختراعات وإنجازات تقنية. وقد تمثّلَ هذا الوعاء في البداية بما كان يرسمه الإنسان على جدران الكهوف، ثم ماراح يكتبه على الألواح الطينية وورق البردي، التي تمَّ ضمُّ كل مجموعة متجانسة منها، تعنى بموضوع واحد، أو مواضيع متشابهة، في حزمة واحدة، أطلقنا عليها تسمية (كتاب). ومن ضرورة حفظها في مكان واحد ظهرت (المكتبات) التي عرفناها في العصور القديمة ، مثل مكتبات نينوى وبابل والمكتبات الفرعونية . قبل أن يتم اختراع الورق والطباعة ويأخذ الكتاب شكله الحالي الذي مازلنا نتداوله حتى اليوم.
وإذا كانت الثورة الرقمية التي نعيش في ظلالها الآن، قد أنتجت شكلاً جديداً من هذا الوعاء، هو الكتاب الإلكتروني ، فإن هذا التطور يحب أن نعترف به كمرحلة من مراحل تطور الكتاب الذي قد يأخذ أشكالاً أخرى في المستقبل . ولذلك فإن المعارك التي يفتعلها بعض الكتّاب أو القرّاء اليوم، بين الكتاب الورقي والكتاب الالكتروني ، لا معنى لها في الحقيقة ، ماداما كليهما يحققان وظيفة الوعاء لأفكار الكاتب وإبداعاته وإنجازاته العلمية أو الفكرية والأدبية . صحيح أن معظمنا مازال متمسكاً بالحميمية التي يولدها حمل الكتاب، وتقليب صفحاته، إلا أن الكثيرين بدؤوا يشعرون بمميزات الكتاب الإلكتروني المتمثلة في سهولة حفظ الأعداد الكبيرة منه في أجهزة الحواسيب أو الهواتف المحمولة أو في الأقراص المدمجة، بعد أن ضاقت المنازل ولم تعد قادرة على تخصيص ركن لخزائن الكتب كما كانت من قبل. وكذلك في قدرته على اجتياز الحدود والتخلص من كل أشكال الرقابة المفروضة، بالإضافة إلى سهولة التعامل معه، لاسيما بواسطة البرامج الحديثة التي تمنح القارئ الكثير من الأدوات الجديدة التي يحتاج إليها في تعامله مع النصوص .
لكننا لا بد لنا من ملاحظة أنه إذا كان الكتاب الإلكتروني قد قدم لنا الكثير من المزايا في عصرنا الحاضر، فإنه قد فاقم أيضاً الكثير من المشاكل التي عانى منها المبدعون. وربنا كان في طليعة هذه المشاكل قضية السرقات الفكرية والأدبية ، التي انتشرت في أيامنا الى درجة باتت تشكل معضلة حقيقية . فالسرقة اليوم باتت أسهل من أي يوم مضى، وفي متناول كل من تسوّل له نفسه أن يسطو على جهود الآخرين، فينسخ ما يريد من أي كتاب، ويلصقه على كتاب يدعيه لنفسه، أو على منشور على صفحته . ومن ثمّ فإن هذه المسألة باتت بالغة الاهمية، لحفظ حقوق الملكية الفكرية. مما يستوجب إقرار وسن التشريعات القانونية المناسبة التي تكفل حفظ حقوق الملكية الفكرية، ومعاقبة السارقين ، والحدّ من هذه الظاهرة التي تهدّد الحقوق المادية والمعنوية للمبدعين، على اختلاف المجالات التي ينشطون فيها، وعلى تعدد مستويات القيمة التي تندرج تحتها أعمالهم .
الشاعر د. نزار بريك هنيدي- سورية