لماذا الاحتفاء بالكتاب؟

رغم كل هذا التقدم الرقمي، ما زال الكتاب صامدًا. لا لأنه يقاوم، بل لأن له مكانة. لكنه في مواجهة، بين هواتف تخطف العقول، ومحتوى سريع يعيد بناء مفهوم “الثقافة”.
هل ما زلنا نمنح للكتاب قيمة؟ وهل المعارض والاحتفالات بالقراءة فعل حقيقي أم مجرد تقليد سنوي لا يترك أثرًا؟
الواقع يقول إن الكتاب لم يختف، لكنه لم يعد حاضرًا كما كان. الأرفف مليئة، ودور النشر ما زالت تنتج، لكن السؤال الأهم: كم نقرأ فعلًا؟ وكم نترك مساحة للفكر في زمن يستهلك كل شيء، حتى الانتباه؟
في إحدى محاضراته، قال المفكر الفرنسي ميشيل فوكو:
“لا يمكن للقراءة أن تكون مجرد وسيلة لتلقي المعنى، بل هي عملية مقاومة لما يُفرض علينا”.
وهنا جوهر المسألة. الكتاب ليس زينة ثقافية، بل وسيلة لتحرير الإنسان من هيمنة اليومي، وسطوة اللحظة، وتكرار الخطاب المعلّب.
في المقابل، لا يمكن إنكار أن كثيرًا من الكتب المطروحة اليوم فارغة المضمون، تُكتب بسرعة وتُسوّق أسرع. وهنا مشكلة أخرى: كيف نميّز بين ما يُغذّي فكرنا، وما يستهلك وقتنا فقط؟
الكاتب أمين معلوف عبّر عن هذه المفارقة بدقة حين قال:
“ما نقرأه يكوّننا، لكنه قد يضلّلنا إذا لم نُحسن الاختيار.”
ليس كل كتاب يضيف، وليس كل مؤلف يحمل مشروعًا معرفيًا. لذا فالترويج للقراءة لا يجب أن يكون دعوة مفتوحة فقط، بل مرفقًا بوعي نقدي لما نستهلك من نصوص وأفكار.
صحيح أن العالم يتغير، وأن أنماط القراءة لم تعد كما كانت. لكن الحاجة للكتاب لم تنتهِ، لأنها حاجة داخلية، تتعلق ببناء الذات، وفهم العالم، لا بتتبع “الترند”.
في زمن السرعة، القراءة موقف. وفي زمن الضوضاء، الكتاب هدوء نادر. فلنحتفل به، لا كرمز، بل كضرورة.

هدى بن الغالية

تابعنا على Google news
شاهد أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie اوافق لمزيد من المعلومات، يرجى قراءة سياسة الخصوصية

سياسة الخصوصية