المكتبة الوطنية في سوريا أهم المكتبات في الشرق الأوسط

تعتبر المكتبات الوطنية التي تحرص الدول على تأسيسها هي الحاضنة للتراث الفكري والثقافي والتاريخي للأمم والحضارات، وذاكرة هذه الأمم في ماضيها وحاضرها ومستقبلها، وهي مرآة ثقافتها وفكرها. من هنا تفتخر الدول بمكتباتها الوطنية التي تعدها معالم وصروح ثقافية ومعرفية تختزن كنوزًا وتتيحها للباحثين والدارسين. وتُعد مكتبة الكونغرس في الولايات المتحدة الأمريكية أشهر مكتبة في العالم وأكبرها من حيث المجموعات التي تضمها، في حين تُعد مكتبة الإسكندرية في مصر أشهر مكتبة في العالم العربي.


وفي سوريا، تعد مكتبتها الوطنية المطلة على ساحة الأمويين والتي تقع وسط العاصمة دمشق واحدة من أكبر وأهم المكتبات في المنطقة. إذ تحتوي على 214,500 كتاب، و 19,137 مخطوطة، وعشرات الآلاف من الأوعية المكتبية، إضافة إلى أحدث الإصدارات من الكتب والصحف والدوريات. وكمكتبة وطنية، تولي المكتبة اهتمامًا بالتراث الثقافي العربي والتراث السوري المعاصر، حيث تقوم بجمع مختارات من كافة المواضيع للحفاظ على التراث العربي القديم (المخطوطات) التي تعمل المكتبة على تنظيمها وصيانتها وترميمها وفق أحدث الأساليب المتبعة عالميًا في مجال المخطوطات والوثائق التاريخية بطرق التعقيم والترميم وتيسير الانتفاع بها للباحثين والدارسين. ولا يسمح نظامها للباحثين بالاطلاع على النسخ الأصلية للمخطوطات، وإنما يتم اطلاعهم من خلال النسخ المصورة لها، ليتمكنوا من الاطلاع على المخطوط الأصلي في المرحلة الأخيرة من البحث. كما يسمح نظام المكتبة باستخدام غرف المطالعة الفردية بالنسبة للباحثين الذين يرغبون في حجز مراجع خاصة بهم لإنجاز بحث معين خلال فترة محددة.


تضم المكتبة الوطنية عددًا من القاعات ومراكز المحاضرات والتجهيزات والمستودعات والصالات والغرف والأقسام والإدارات المنظمة لعملها. ويبلغ عدد قاعات المطالعة فيها 12 قاعة، منها: قاعة المكفوفين، التي تضم أجهزة خاصة لضعاف البصر، إضافة للأجهزة المخصصة للمكفوفين فاقدي البصر، وأجهزة سمعية. وتضم الكتب والدوريات بلغة بريل، وقاعة للمخطوطات والكتب النادرة، وهي قاعة مجهزة بمستودع خاص يخضع لشروط حماية للمحافظة على المخطوطات والوثائق وحمايتها من التلف وفق أحدث النظم والتقنيات. في حين خصصت قاعة للتراث السوري والوسائل السمعية والبصرية، لحفظ التراث السوري بكافة أشكاله وألوانه، وتضم مكتبة أفلام سينمائية سورية، ومعرض لوحات وصور لمعارض فنانين تشكيليين سوريين. كما تضم قسمًا خاصًا بالتسجيلات والأشرطة والأسطوانات للموسيقى والفلكلور السوري إلى جانب الكتب والمراجع السمعية والبصرية الموجودة بعدة لغات: الإنجليزية، الفرنسية، الألمانية، والإسبانية.
تفتح المكتبة أبوابها للقراء يوميًا من الساعة التاسعة صباحًا وحتى الثامنة مساءً، ويمكن أن تستقبل في آن واحد 750 قارئًا في كافة قاعات المطالعة. ويتم الإفادة من مراجع المكتبة من قبل جميع المواطنين والزوار الذين تجاوزت أعمارهم سن الثامنة عشرة، وتصدر لهم بطاقة اشتراك خاصة سنوية مجانية. وتتوفر في قاعات المطالعة للمكتبة المراجع الأساسية التي يمكن للقراء تناولها يدويًا من الرفوف. ويمكن طلب المراجع غير المتوفرة في القاعة من المستودعات عن طريق أمناء القاعة. أما المراجع الإلكترونية، فيمكن الاطلاع على محتواها في قاعة خدمة المعلومات من خلال حواسب متنوعة. ويمكن للقراء طلب نسخ ما يرغبون من صفحات المراجع التي يطالعون فيها على أفلام مصغرة أو نسخ ورقية عادية حرصًا على سلامة المواد الثقافية، لتبقى خالدة للأجيال القادمة. كما تقدم المكتبة بعض خدماتها عبر شبكة الإنترنت أو وسائل التواصل الاجتماعي من خلال الصفحة الخاصة بالمكتبة على الفيسبوك، التي تتيح للقارئ الاطلاع على كل جديد ورد إلى المكتبة وكل جديد أصدرته، إضافة إلى النشاطات والفعاليات من معارض وندوات وأمسيات وغير ذلك.


كانت وما زالت المكتبة الوطنية تقيم وتستضيف أهم الفعاليات الثقافية والعلمية على اختلاف أنواعها. ويتوافر فيها قاعة محاضرات رئيسة تتسع لـ304 أشخاص، وهي تصلح لعرض الأفلام وإلقاء المحاضرات وعقد المؤتمرات الدولية. وهي مجهزة بنظام لاسلكي للترجمة الفورية بأربع لغات. وتوجد قاعة أخرى لعقد الندوات وورشات العمل تتسع إلى 83 شخصًا، وقاعتان أخريان تتسع كل منهما لنحو عشرين شخصًا لعقد حلقات البحث الصغيرة. كما يوجد في المكتبة صالة للمعارض الفنية، ويوجد عدة أماكن متفرقة لإقامة معارض الكتب والأعمال الفنية لاطلاع القراء على كل جديد في عالم المعرفة.
تعمل المكتبة كمكتب إيداع قانوني ومكتب حقوق نشر في سوريا، مما يضمن الحفاظ على الأعمال المنشورة في البلاد. بالإضافة إلى ذلك، تضم المكتبة المقر الرئيسي لجمعية المكتبات والوثائق في سوريا. وقد بدأت المكتبة منذ افتتاحها باتباع نظام عمل مكتبي تقني خاص بها يسهل نشر فهارسها وتعميمها على كافة المكتبات الوطنية في العالم، دعمًا للتبادل والتعاون والتحادث معها من خلال هذه القاعدة.
عملت المكتبة منذ عام 1985 على إقامة معرض الكتاب الدولي وحققت الدورات المتلاحقة منه بتعميق الصلة بين القارئ والكتاب، وساعدت على زيادة نشاط النشر في سوريا.
بقي أن نؤكد أن المكتبة الوطنية صرح ثقافي عريق وأحد المعالم الهامة في تعزيز الثقافة السورية المعروفة بأصالتها وحضارتها وتراثها الغني وتطورها وغناها، وهي ذاكرة الوطن ومنارة للعلم والمعرفة. ندعوكم لزيارتها والتجوال فيها، وستكون زيارة لا تُنسى.

أمينة عباس ـ دمشق

تابعنا على Google news
شاهد أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie اوافق لمزيد من المعلومات، يرجى قراءة سياسة الخصوصية

سياسة الخصوصية