ثقافة

الكتاب ذاكرة الأمم والشعوب

aue.tanich 23 أبريل 2025 - 12:49

منذ بدايات التاريخ البشري، كان الكتاب بمثابة أداة رئيسة لنقل المعرفة وحفظ الأفكار، بداية من رسومات الإنسان على جدران الكهوف إلى الكتابة على ألواح الطين في الحضارات القديمة، وصولًا إلى الكتاب الورقي الذي أصبح جزءًا أساسيًا في بناء الحضارات. وكان الكتاب دومًا وسيلة لصياغة الفكر الإنساني، ولم يكن مجرد وسيلة لحفظ المعرفة بل كان أساسًا لنقل الثقافات المختلفة من جيل إلى آخر.
في الحضارات القديمة مثل مصر وبلاد الرافدين، كان الكتاب بمثابة أداة هامة لحفظ المعتقدات والتاريخ. في البدء كانت المكتبات خزائن تحوي ألواحًا طينية كتب عليها العلماء نصوصًا هامة في الفلك والطب والقانون. وفي مصر، كانت النصوص الدينية والفلسفية تُسجل على جدران المعابد، بينما كانت المخطوطات على البردي تحفظ العديد من المعارف..
في العهد اليوناني وثق لنا الكتاب علوم وفلسفة المرحلة. نأخذ نموذجا مكتبة الإسكندرية، التي أسسها البطالمة، واحدة من أبرز المعالم الثقافية التي جمعت أهم الأعمال الفلسفية والعلمية من جميع أنحاء العالم القديم، وقد احتفظت بآلاف الكتب التي أثرت في الفلسفة والمنطق. كانت هذه المكتبة مركزًا علميًا حيث تتلاقى الأفكار الهندية واليونانية والمصرية القديمة، مما أتاح فرصًا كبيرة للتبادل الفكري.
مع ظهور الإسلام في القرن السابع، شهد الكتاب نقلة نوعية. فقد منح الإسلام الكتاب مكانة خاصة، من خلال نزول القرآن الكريم، الذي بدأ تدوينه في عهد الخليفة عثمان بن عفّان، ومن ثم توثيق الأحاديث النبوية الشريفة. بذلك، كانت الكتابة أداة لنقل الوحي الإلهي وتوثيق سنة الرسول، لكن الكتابة لم تقتصر على الدين فقط، بل شملت العديد من المجالات الأخرى مثل الفلسفة والعلم والطب. في “بيت الحكمة” ببغداد، جرت ترجمات ضخمة للأعمال الفلسفية اليونانية إلى اللغة العربية، مثل أعمال أرسطو وأفلاطون، مما مهد الطريق للثورة العلمية التي شهدها العالم الإسلامي.


تجسد ذلك في شخصيات علمية كبيرة مثل الفارابي، ابن سينا، والخوارزمي، الذين أسهموا بكتاباتهم في إثراء الفكر الغربي. كما لم تكن الكتابة مقيدة بالنصوص الدينية فقط، بل امتدت لتشمل نصوصًا علمية وفلسفية تناقش موضوعات العقل والمنطق.
ثم جاءت ثورة الطباعة في أوروبا في القرن الخامس عشر على يد يوهان غوتنبرغ، والتي أحدثت طفرة غير مسبوقة في نقل المعرفة. بعد اختراع الطباعة، أصبحت الكتب متاحة للعموم، مما ساهم في رفع معدلات القراءة والتثقيف. كان لهذه الثورة دور كبير في التغيير الاجتماعي والفكري الذي أحدثته حركة التنوير في أوروبا. أصبح الكتاب أحد وسائل نشر أفكار الحرية وحقوق الإنسان، وبهذا تواصلت حركة الفكر من فلاسفة مثل فولتير وروسو وجان جاك روسو، الذين لعبت كتبهم دورًا محوريًا في التحولات السياسية والاجتماعية التي شهدتها أوروبا.
وعلى الرغم من أن الوطن العربي مرّ بمراحل من التراجع والنهوض، كان الكتاب ولا يزال يحتفظ بمكانته. في بداية القرن التاسع عشر، وعلى الرغم من الاستعمار، لعب الكتاب دورًا كبيرًا في حركة النهضة العربية، حيث ساهمت الترجمات والتأليفات الحديثة في نشر الأفكار الغربية، خاصة في مجالات الفلسفة والتعليم. وكان من بين هؤلاء المفكرين رفاعة الطهطاوي وطه حسين، اللذان قدما أفكارًا رائدة في مجال التعليم والفكر النقدي، وساهموا في نقل الثقافة الأوروبية إلى العالم العربي.
اليوم، ورغم التقدم التكنولوجي واستخدام الوسائط الرقمية في نشر المعرفة، يظل الكتاب الورقي والإلكتروني وسيلة أساسية للتعلم والفكر. على الرغم من أنه قد يبدو أن الوسائط الرقمية قد تسلب مكانة الكتاب، إلا أن التقارير العالمية من منظمات مثل “اليونسكو” تشير إلى أن الكتاب لا يزال حجر الزاوية في تطوير المجتمعات وتوسيع آفاق التعليم.
الكتاب هو الرفيق الدائم في رحلة الإنسان نحو الفهم والتطور. كل مرة نفتح فيها كتابًا، نحن لا نقرأ فقط، بل نفتح نافذة لفهم أعمق لماضينا، وحاضرنا، ومستقبلنا، ويندرج ملفنا الاحتفائي باليوم العالمي للكتاب وحقوق لمؤلف يومه الأربعاء 23 أبريل 2025، في هذا الإطار رصدا لمكانة الكتاب ووضعيته وآفاقه..

هدى بن الغالية

15 مايو 2025 - 13:46

المهرجان الوطني لجائزة محمد الجم لمسرح الشباب، التجربة الرائدة لمسرح مستقبلي

12 مايو 2025 - 18:29

جمعية إقلاع تخلد الذكرى الفضية لمهرجان بني عمار بلقاء مفتوح مع الدكتور حسن بلغازي

12 مايو 2025 - 13:04

التراند ميلاد اقتصادي وتطور تواصلي رصدي إعلامي

12 مايو 2025 - 08:16

المهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة في دورته ال 25 يحتفي بالذكرى التأسيس 48

أضف تعليقك