في زمنٍ أصبحت تتسابق فيه الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي على انتباه الأطفال وتركيزهم، يبقى كتاب الطفل في خضم معركة ثقافية واضحة لبناء وعيه، وتنمية حسه اللغوي والجمالي. إلا أن هذا الكتاب، رغم أهميته، لا يزال واقعه منحصرًا في فجوات عميقة، تبدأ من ضعف المحتوى، وتستمر بندرة الترجمة النوعية الهادفة، والترويج والتسويق الممنهج وتنتهي بندرة القارئ الحقيقي الذي يتوجه إلى الكتاب محبًا للمعرفة، لا مجبرًا عليها.
في حديثنا مع بعض الناشرين، أشاروا إلى أن كتاب الطفل ما زال يُعد منتجًا هامشيًا في بعض معارض الكتب، لأنه لا يدرُّ أرباحًا كافية للاستمرار، بخلاف كتب الفئات العمرية الكبرى. كما أن غياب استراتيجية وطنية واضحة لدعم هذا المجال، يحوّل الكاتب الشاب من فاعل ثقافي إلى متردد يخشى اقتحام هذا النسق الإبداعي الصعب.
أما على مستوى الأسرة، فثمة تحديات متكررة: من تكلفة الكتب الجيدة، إلى غياب ثقافة القراءة في البيت. الطفل اليوم نادرًا ما يجد من يقرأ له في مرحلة الاستماع ومن يشجعه على الرقراءة في زمنها الخاص، أو من يقدم له الكتاب كصديق لا كواجب مدرسي. وبينما يعيش الوالدان في دوامة العصر الحديث، يتراجع حضورهما الثقافي في حياة أبنائهم، فيساهمون دون وعي في غياب ثلاث عقول: عقل يتخيل، وعقل يقرأ، وعقل ينتقد.
لكن، ورغم كل هذه التحديات، يظل هناك بصيص أمل. مبادرات شبابية ومؤسسات ثقافية بدأت تولي اهتمامًا خاصًا بكتاب الطفل، من خلال ورشات الكتابة، ومعارض الكتب المخصصة، ومنصات رقمية تقدم محتوى تربويًا عالي الجودة. بعض هذه المشاريع يدمج القصة بالصوت، أو يحول الكتب الورقية إلى تطبيقات تفاعلية، تجمع بين المتعة والمعرفة.
يؤكد مختصون في مجال التربية أن الطفل القارئ هو طفل أكثر توازنًا نفسيًا، يمتلك قدرة على التعبير والابتكار. والمدرسة، بما تملكه من تأثير، قادرة على المساهمة في بناء هذا الوعي، لو خصصت حيزًا للقراءة الحرة، لا فقط للواجبات المدرسية المفروضة، هذا ويظل كتاب الطفل حجر أساس في معركة بناء الأجيال. فبين صفحات القصة، يولد الخيال، وتنمو القيم، وتُغرس الهوية. وطفل اليوم، إن لم يجد كتابًا يحاكي روحه، سيجد ألف شاشة تشوش وعيه. فمتى ندرك أن كتاب الطفل ليس سلعة، بل استثمار في مستقبل وطن؟
فاطمة الزهراء سهلاوي
أضف تعليقك