المعرفة هي لغة العصر، ولا معرفة دون كتاب، الذي وصفه الشاعر أبو الطيب المتنبي قديماً بأنه “خير جليس في الأنام كتاب”، لكون الكتاب لا يزال وسيبقى أساس المعرفة والثقافة والفكر على الرغم من كل الوسائل الحديثة التي أصبحت في أيدينا. وتعتبر معارض الكتب التي تقام في كل البلدان فرصة للتعرف على النتاج الفكري والإبداعي الكبير الذي تضمه كتب أنجزها مبدعوها. لذلك كان المعرض الدولي للكتاب الذي يقام في المكتبة الوطنية في دمشق حدثاً ثقافياً ينتظره عشاق الكتاب، بعد أن أصبح جزءاً من هويتها الثقافية على مدار سنوات طويلة. حيث انطلقت الدورة الأولى له عام 1985 بعد عام من افتتاح المكتبة، ليساعد عبر دوراته المتلاحقة في زيادة نشاط النشر في سورية وتعميق الصلة بين القارئ والكتاب، وتوفير وسائل المعرفة في شتى فروعها، وتحقيق زيادة مطردة في الدول ودور النشر المشاركة، وذلك قبل أن يتوقف جراء الحرب في سورية لمدة أربعة أعوام، ثم يعود إلى الحياة بدءاً من عام 2016، وليتوقف ثانية بسبب وباء كورونا بعد أن أقام دورته الـ31 في عام 2019 تحت شعار “الكتاب بناء للعقل” بمشاركة 237 دار نشر و50 ألف عنوان كتاب، وبحسومات على سعر الكتب المباعة وصلت إلى 80%. وقد تم الاحتفاء في هذه الدورة بالشاعر والفيلسوف أبو العلاء المعري من خلال ندوة عن حياته ومؤلفاته. وكان برنامج المعرض يضم عادة عبر دوراته المتلاحقة أمسيات شعرية وندوات فكرية وحفلات توقيع للإصدارات الحديثة، إضافة إلى أنشطة فنية وترفيهية، منها معرض للفن التشكيلي وعروض سينمائية سورية وعالمية. وهكذا تحول المعرض من مناسبة للاحتفاء بالكتاب إلى طقس ثقافي وفكري ولقاء غني مع المفكرين والمثقفين بهدف تبادل المعرفة والخبرات في صناعة الكتاب والنشر.
شغف القراءة ومطالبة المهتمين بالمعارف، ورغبة دور النشر في التعريف بإصداراتها الجديدة، ولسد الفراغ الذي أحدثه توقف المعرض الدولي بسبب وباء كورونا، كان لا بد من البحث عن بديل للمعرض الدولي، فكان إقامة معرض الكتاب السوري بنكهة سورية خاصة، والذي افتتح عام 2021 في المكتبة الوطنية في دمشق للمرة الأولى بطابع مختلف عن دورات المعرض الدولي للكتاب، من خلال مشاركة العشرات من الناشرين السوريين بإصداراتهم الحديثة من الكتب ذات العناوين المختلفة لتعريف الجمهور السوري بالكتاب المتميز الذي تصدره هذه الدور. وتتابعت دورات هذا المعرض، الذي تحول إلى معرض دوري يقام كل عام في أروقة المكتبة الوطنية بشهر تشرين الأول، وبنسبة تخفيضات بين 30 و50 في المئة تحقيقاً لشعار “الكتاب في متناول الجميع”، مع إقامة برنامج ثقافي متنوع من عروض سينمائية وحفلات وندوات أدبية وفكرية وأخرى عن أدب الطفل، خاصة وأنه يضم أجنحة تحتوي الكتب الموجهة للأطفال والناشئة مع تقديم تخفيضات بشأنها تشجيعاً على اقتنائها، لأنها ذات تكاليف باهظة حيث تعتمد الورق المصقول والألوان والصور. كما تحرص المكتبة على المشاركة في المعرض حيث تخصص جناحاً لها يضم مجموعة من إصداراتها السنوية التي تصل إلى العشرين، وتعنى بتوثيق التراث الثقافي السوري من فهارس خاصة بالأطروحات والرسائل الجامعية والكتب النادرة والبيوغرافيا الوطنية وكشافات الفهارس، وكل ما يخدم عملية توثيق هذا التراث. ويشهد هذا المعرض حفلات توقيع كتب عديدة، وهي تتيح للقارئ التعرف على الكاتب المفضل لديه واقتناء كتابه بعد التوقيع عليه من قِبل الكاتب، وهي حالة تغري الكثير من القراء للتوجه إلى المعرض من أجل ذلك ومن أجل التعرف على الكاتب. وهي ظاهرة بدأت مع نهاية التسعينيات وبداية الألفين، وهي نوع من أنواع اللقاء والاجتماع مع الأصدقاء والمحبين والقراء، وهي تلغي المسافة بين الكاتب والقارئ، وتتيح الفرصة للكاتب أن يسلم أمانته بيده للقارئ: “وكأن الكتاب حين يذهب لوحده يتوه”.
وتجدر الإشارة إلى أن معارض عديدة تقام في سورية، كمعرض كتاب الطفل، والمعارض التي تقام في جميع المحافظات من خلال المراكز الثقافية والجامعات ودور الثقافة، ويباع فيها الكتاب بأسعار رمزية. وكانت ولازالت منشورات اتحاد الكتاب العرب ووزارة الثقافة السورية هي دائماً موضع اهتمام وإقبال بالنظر إلى محتواها الفكري، لأنها جهة غير ربحية، وهي لا تسعى لنشر الكتاب التجاري وإنما الكتاب الذي تعتقد أن القارئ السوري يحتاج إلى قراءته، مع عنايتها بمنشورات الطفل من خلال ما يصدر عن مديرية منشورات الطفل من كتب ومجلات تحظى باهتمام القارئ السوري والعربي. مع التأكيد على أن هدف أي فعالية لها علاقة بالكتاب هو التشجيع على القراءة كنشاط فكري اجتماعي تنموي أساسي في حياتنا، لأن مجتمعاً يقرأ يعني مجتمعاً متحضراً وعلى سكة التقدم. والثقافة هي مخرج مهم للمجتمعات في أحلك الظروف، مما يستوجب التركيز عليها، وهي التي يحتاجها الإنسان في كل الأوقات. من هنا تأتي أهمية دعم حركة النشر من قبل الحكومات والمعنيين بالثقافة العربية، ليستمر الإقبال على الكتاب في العالم العربي.
أمينة عباس ـ دمشق
أضف تعليقك