بمناسبة الدورة 30 للمعرض الدولي للنشر والكتاب، الرباط، المنظم من طرف وزارة الشباب والثقافة والتواصل من 18 إلى 28 أبريل 2025، أقيمت ندوة علمية هامة يوم الأربعاء 23 أبريل 2025، برواق جامعة الحسن الثاني ـ الدار البيضاء، وقد صادفت اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف، محور الندوة، “دور الثقافة في تنمية المواطنة”: ألقاها د. الحسن عبيابة، الأستاذ الجامعي، والوزير السابق في قطاع الثقافة تحديدا، وسيرها وقدم لها الأستاذ محمد محيي الدين، استهل الدكتور الحسن عبيابة مداخلته بالإشارة إلى أهمية الموضوع، وعلاقة الثقافة بتنمية المواطنة، مؤكدا أن هذا الموضوع مرتبط بالدولة الوطنية ومفهوم المواطنة الحديثة، والتي تعرفها المجتمعات المتقدمة كعنصر أساسي للاستقرار والتطور، مشدداً على أن المواطنة ليست مجرد انتماء قانوني لدولة، بل هي ممارسة وسلوك وفكر يتشكل داخل بيئة ثقافية حاضنة. وأكد أن الحديث عن الثقافة لا يمكن فصله عن الهوية والقيم والتنشئة الاجتماعية، إذ تمثل الثقافة المنظومة التي تنبع منها مفاهيم المواطنة الحقة.
عبر توطئة مفاهيمية هامة أشار المحاضر إلى أن المفهوم الكلاسيكي للمواطنة تطور مع الزمن، حيث لم تعد المواطنة تعني فقط الانتماء إلى دولة معينة من حيث الجنسية، بل أصبحت تعني الوعي بالحقوق والواجبات، والمشاركة الفعالة في الحياة العامة، لكون الثقافة تساهم بشكل كبير في تشكيل هذا الوعي، بل تُعتبر هي الأساس في بناء المواطنة الحديثة.
ولأن محور الندوة يعني الواقع المغربي، لاحظ المحاضر أن هناك تشتتًا في المنظومة الثقافية المغربية، حيث كل مؤسسة تشتغل بشكل منفرد وتنتج ثقافة خاصة بها (الجماعات، الجهات، الجامعات، المجتمع المدني وغيره…) وأكد على غياب التنسيق بسبب غياب سياسة ثقافية وطنية موحدة ومندمجة، وطالب بتفعيل المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية الذي خُلق منذ 13 سنة، رغم أنه منصوص عليه دستوريًا إلا أنه لم يُفعل بعد.
وعن أهمية الثقافة في حماية الهوية الوطنية، ركز المحاضر على أن أخطر الحروب اليوم ليست فقط الحروب المسلحة، بل الحروب الثقافية ولاحظ أن بيوت المغاربة أصبحت تعيش تعددًا في الثقافات، أحيانًا في نفس البيت توجد أربع ثقافات مختلفة، وهذا الأمر يُشكل خطرًا على الانسجام القيمي والهوياتي، تتدخل فيها خطورة ما يُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي من مضامين تؤثر على قيم الأطفال والشباب وذلك في غياب التوجيه الثقافي تحديدا، عبر هذا التشخيص الواضح، اعتبر الدكتور حسن عبيابة أن الحروب الثقافية هي الأخطر من بين جميع أنواع الحروب، إذ أنها تستهدف الهوية والبنية الذهنية والفكرية للمجتمعات، خصوصاً في ظل الانفتاح الواسع على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تحولت إلى منصات تأثير غير مراقبة.
لذا فأهمية وجود سياسة ثقافية وطنية مسألة ضرورة سيما وهناك مرجعية ثقافية دستورية واضحة لحماية الهوية الوطنية والتاريخية والجغرافية، من تم حذر المحاضر من الثقافات الدخيلة التي تضرب المقدسات والقيم ودعا ذ. حسن عبيابة كعادته في ترافعاته الوطنية إلى تحصين المجتمع المغربي ثقافيًا من هذه “الحروب الصامتة”. وطالب بتدخل المؤسسات التعليمية والثقافية لإعادة الاعتبار للثقافة كمكون أساسي لحماية المجتمع، الأمر الذي يدعو لأهمية تكوين متخصصين في تدبير الشأن الثقافي وفي وضع السياسات الثقافية، وهي دعوة للجامعات للاضطلاع بدورها في هذا المجال، مشيرًا إلى أن الجامعة المغربية تمتلك حرية واسعة لإنشاء تخصصات مرتبطة بهذا المجال، وهي مهمة أساسية كذلك تتكامل مع مهام وأدوار المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، هذا المجلس وحسب القانون المنظم له، مطالب بوضع السياسات الثقافية واللغوية، والسهر على انسجامها مع السياسات العمومية، كما له حق إبداء الرأي والتوصية في مجالات الثقافة والتربية والتعليم؛ لذا يجب على المجلس أن يكون آلية دستورية استراتيجية لضبط المشهد الثقافي الوطني المغربي لهذا البلد العريق الذي يعتز بعمره الحضاري الذي يفوق 14 قرنًا، ولا يمكن بهذا الإرث والعمق التاريخي أن يقبل بثقافات وافدة تهدم هذا التاريخ، وفي ختام الندوة عبر الأستاذ لحسن عبيابة عن يقينه بأن المغرب سيواصل مساره الحضاري والثقافي إذا تم ضبط الأمور داخل إطار دستوري واضح.
هيئة التحرير
أضف تعليقك