يارا عيد، فراشة الرقص من سورية إلى ألمانيا

وُصِفَت بفراشة سورية التي غادرتها منذ سنوات طويلة، تاركة أثرها كاسم كبير لمع في سماء الرقص، وطلاب صغار كانت قد دربتهم في مدرسة الباليه أصبحوا اليوم شبابًا، ولكن ما زالوا يذكرون مدربتهم ويفتخرون أنهم قد تدربوا على يديها يومًا ما.
لم تكن مسيرة الراقصة السورية يارا عيد، والتي تعمل حاليًا كمعلمة رقص ومصممة وراقصة باليه على مسرح Theater Werkstatt Hannover بألمانيا، إلا عنوانًا للاجتهاد والمثابرة والتميز والإيمان بموهبتها من قبل عائلة منفتحة لم تقف في وجه توجهها للرقص. واستطاعت، بفضلها وشغفها الكبير، أن تصل إلى ما وصلت إليه كراقصة باليه مشهورة على العديد من المسارح العربية والأوروبية بعد بداية مبكرة لها في الرقص، ففي عمر السبع سنوات دخلت مدرسة الباليه في المعهد العالي للفنون المسرحية:”شعرت أن الرقص كل شيء في حياتي، على الرغم من أن هكذا خطوة أكبر من أن أقررها بهذا العمر، لكن أهلي ساعدوني كثيرًا، وهكذا بدأت أكبر، ويكبر معي الرقص والهوى والحياة”.
بعد تخرجها من مدرسة الباليه عام 2003، انتسبت عيد إلى قسم الرقص التعبيري في المعهد العالي للفنون المسرحية، الذي تخرجت فيه عام 2007، وهو العام الذي عادت فيه إلى مدرسة الباليه للأطفال، ولكن هذه المرة كمدرسة، وكذلك إلى قسم الرقص التعبيري في المعهد العالي للفنون المسرحية للتدريس فيه.
كانت عيد الراقصة الأولى لمدة 6 سنوات في أهم فرقة سورية للمسرح الراقص وهي فرقة إنانا وقد شاركت في جميع عروضها: “هواجس الشام، أبناء الشمس، جوليا دمنا، زنزيا، السندباد”، التي قُدِّمَت في كل المهرجانات المحلية والعربية والدولية، بالإضافة إلى مشاركتها في حفل افتتاح وختام أولمبياد أسياد قطر عام 2006:” منحتني الكثير من الخبرة لأننا بالمعهد تعلمنا القواعد والأسس أكثر من تعلم روح الرقص على المسرح نظراً لعدم وجود الإمكانيات الكبيرة للظهور على المسرح من خلال العروض الكثيرة، فكان التدريب بالفرقة لساعات طويلة هو ما منحني روح الرقص وبالتالي كسر لدي حاجز الخوف عند الصعود على المسرح أمام الجمهور”.
شاركت عيد في العروض التي أقامتها مدرسة الباليه والمعهد العالي للفنون المسرحية – قسم الرقص التعبيري – وقدمت العديد من الرقصات الفردية من باليهات عالمية مثل: “جيزيل، كارمن، بحيرة البجع، دون كيشوت، كسارة البندق”، كما كانت في أول أوبرا عُرضت في سورية “دايدو وإينياس”، والتي قُدِّمَت بالتعاون مع المجلس الأعلى البريطاني عام 1995، وفي عام 2007 شاركت في حفل ختام مهرجان دمشق المسرحي بلوحة كلاسيكية معروفة “احتضار الجعة”.
وقبل مغادرتها لسورية باتجاه ألمانيا عام 2014، رغبة في إكمال تعليمها في الرقص الذي أحبته وأخلصت له، كانت قد ساهمت إلى جانب الراقص علاء كريميد والراقصة حور ملص في تأسيس فرقة سيما للرقص الحديث والمعاصر، التي ضمت طلاب وخريجي المعهد العالي بهدف نشر أنواع رقص الباليه وهي ” المعاصر-الجاز –الكلاسيكي” وكان أول عرض لها في عام 2007 على مسرح الحمراء حيث لاقى صدىً كبيراً، كما شاركت الفرقة في مهرجان السينما، وافتتاح دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008.
وكان جمهور التلفزيون السوري قد تعرف عليها من خلال فاصل الفضائية السورية الذي تظهر فيه وهي ترقص في دار الأوبرا وكممثلة من خلال مسلسل “فسحة سماوية” من اخراج “سيف الدين السبيعي وفيلم ” حرائق البنفسج” لمحمد عبد العزيز إلا أنها لم تبتعد عن الرقص حيث ظهرت فيهما بدور راقصة باليه.
قدمت يارا عيد ضمن مهرجان المسرح العربي الذي أُقيم مؤخرًا في هانوفر عرضًا راقصًا من إنتاج مسرح الورشة، حمل عنوان “حلم”، استوحت فكرته
من رواية ” عما نحلم به ” للكاتبة لين هيرشه، التي تتميز بسردها الحالم والشفاف، إذ تروي قصة الأصول والعلاقات الأسرية بين الأجيال، عبر حدود متعددة من خلال البحث الحركي عن مفردات جسدية وتكرارات أدائية، إلى جانب استخدام مقطوعات موسيقية من تأليف هاينو سيلهورن، ومقتطفات من موسیقی فرانز شوبرت بالإضافة إلى مقطع من سوناتا ضوء القمر” لبيتهوفن”.. وقدمت عيد للعرض له قائلة:”بمزيج بين الواقع والحلم تحاول هذه الأمنيات ملامسة الحقيقة واقتحام اللحظة الراهنة. رأس ممتلئ بغرف تفتح وتُغلق أبوابها عند إغماض الجفون، حين تبدأ غيوم الحلم بالتشكل والامتزاج. غرفة عنوانها “مسلوبو القوة”، ونحن فيها مجرد أرقام، وغرفة أخرى نحن حكامها، لكن دون أمتنا.. موسيقا، ضوء، ضجيج، حفيف، رقم، أمل، تكرار، خيبة، كل شيء يعاود الدوران والتكرار من جديد.. هذا ما أراه بين غيمات الأحلام. يُقال إن لا وعينا في الحلم، وفي السير أثناء النوم، هو جزء عبثي من واقعنا، يعكس زمنًا من الأزمات والأسئلة السياسية الجدلية. سعى المؤدون والمؤديات في هذا العرض إلى استكشاف الحلم كوسيلة لفهم الهوية والانتماء، وتساؤلات العيش المشترك مع “الآخر”.
وكانت صحيفة HAZ قد كتبت عن العرض قائلة:
“عرض راقص يحاول، خلال ساعة من الزمن، خلق أجواء غير واقعية، حيث تتلامس اليوتوبيا مع الواقع المرير، وتتقاطع الوحدة مع الغربة باستمرار، ومن خلال موسيقا هاينو سيليهورن يصبح Trauma تجربة حرة ومثيرة حول أسئلة كبرى، قد تكون الإجابة عنها ممكنة فقط في الأحلام”.
العرض من تصميم: يارا عيد التي شاركت في الأداء إلى جانب لاورا غارسيا أغوليرا، ناتالي سبير، هاينو سيلهورن.
يارا عيد
انتسبت إلى مدرسة الباليه في دمشق عام 1993 وتخرجت منها عام 2002، حائزة على إجازة جامعية بدرجة امتياز في الرقص التعبيري من المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق حيث انتسبت إليه عام 2003 و تخرجت منه عام 2007، درست في جامعة فولك فان الالمانية Wolkwang Universität بقسم الرقص الذي أسسته راقصة الرقص المعاصر و المصممة الألمانية الشهيرة Bausch pina و نالت شهادة الماستر في الرقص و طرق تدريس الباليه، تعمل حاليًا كمعلمة رقص ومصممة وراقصة باليه على مسرح Theater Werkstatt Hannover.
أمينة عباس- دمشق