ختام ملف الرقص: لماذا تركت الحصان وحيدًا، وأين راكب الحصان

لماذا تركت الحصان وحيدا، هي القصيدة الشهادة والرثاء للشاعر الكبير محمود درويش، يروى في ثناياها الألم الفلسطيني وحنين الشعب الفلسطيني لأرضه التي أبعده الاحتلال عنها، وتبأ القصيدة بسؤال طفولي رغم براءته إلا أنه يحمل معاني كثيرة وعميقة، إلى أين تأخذني يا أبي؟ فيرد الأب بجواب لا نعرف إن كان يريد به التهرب من السؤال، أم يريد أن يفلسف الإجابة لولده حتى يفكر بها جيدا فيما بعد، فيقول : إلى جهة الريح يا ولدي. وتأتي القصيدة فيما بعد تروي قصة الأب الذي أخذ ابنه وخرج به إلى اتجاه الريح وترك وراءه الحصان وحيدا ليحرس المنزل، ويدفئه بأصالته وإخلاصه، ولأن البيوت الفارغة تموت فهي تحيا بنفس أصحابها الحقيقين.
ارتبط لي شخصيا الحصان، بالشهامة وبالكرم والإكرام العربي، كما ارتبط عندي وعندنا في المغرب بمواسم التبوريدة التي تقام فيها حركة وحركية الخيل، في إطار احتفاليات القبائل، التي تقام قرابة أسبوع وأكثر، يتم فيها الاحتفال بالحصان، وراكب الحصان، حيث تخلق فرجات التبوريدة التي تظم حركة وحركية الخيل بعدد كبير منها ممثلة لجغرافيات البوادي والقرى وحتى المدن الكبيرة، وبالضبط خلال فصل الصيف واحتفالا بحصيلته الفلاحية، هذا الاحتفال له مرجعيات تاريخية تعود إلى مرحلة النضال وحماية الوطن بالشكل القديم عبر الخيول التي كانت رمز الحروب كما كانت رمز العزة.


من أكبر مواسم التبوريدة عندنا في المغرب موسم مولاي عبد الله أمغار، تتشكل سرباته بمجموعة الفرسان والخيول التي تعدو في التبوريدة، بلوحات تشخيصية بالتفاعل والعدو واستعمال البارود، مصاحبا بصوت النساء وحنحنة الخيول وصيحة الراكب، عدد خيل السربة ما بين من 11 إلى 15 فارسا يصطفون على خط انطلاق واحد، وأحيانا أكثر يقاب أن في موسم مولاي عبد الله تصل إلى قرابة 400 جواد، ويترأسها “المقدم” قائد السربة، الذي يتخذ مكانه في وسط الفرقة وينسق حركات الرجال والخيل معا. يجري السباق على مضمار يسمى “المحرك”، يتراوح طوله بين 151 و200 متر، بمناسبة الموسم، وتنطق بضم الميم ومده بالواو، ممثلة للهجة المغربية، وبعرف الموسم لحظات احتفال متنوعة، من خلال الأغاني الشعبية والرقص الشعبي، كيف لا والاحتفاء سببه محصول الصيف.
عبر هذين الطرحين، من أثر قصيدة لماذا تركت الحصان وحيدا، إلى تبوريدة الخيل وتاريخانيتها القومية تحديدا وبإرثها العربي، يحضرني أثر ملفنا الذي احتفلنا به اليوم الثلاثاء 29 أبريل 2025، بمناسبة اليوم العالمي للرقص، وقد وصلتني رسالة الأجساد العربية، التي تعان من قمع الجسد، أو إلغاء لغاته، أو طمس كلماته بل قمعه والتسلط عليه.
أرى جسدنا مستعمر، مكبل معقد، أراه يدبل يمحى، بل يعدم، ويسقط في عين حمئة؛ لذا أقول به لما تركت الحصان/الجسد وحيدا، ولماذا الحصان يدور ويلف ويمضي وحده وحيدا بدون جسد راكبه، وهل للركوب معنى بدون راكب.
لماذا تركت الحصان وحيدًا، وأين راكب الحصان، الخطاب لك أنت هو المعني والكلام موجه لك، يكلمك جسدك ولا تسمع إليه، عطلت لغته، عطلت نضاله عطلت رفضه، وتفرض عليه الركون والإنحناء، والخضوع، جسدك يحملك، وأنت لا تحمله ولا تتحمله، أنت من نوده أن يكون الراكب لكنك تركت الحصان وحيدا.

هيئة التحرير

تابعنا على Google news
شاهد أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie اوافق لمزيد من المعلومات، يرجى قراءة سياسة الخصوصية

سياسة الخصوصية