سأحكي هنا قصة قصيرة لسيدة بعمر طويل، أسمها سيدة الماء، بها يحكي الماء سيرته ويحكي قصته من خلال رحلته الطويلة والمتنوعة على كوكب الأرض حيث تشكلت منذ ملايين السنين، وربما جاء الماء من النيازك أو من الغازات التي خرجت من الأرض نفسها.الماء ساهم في تشكيل المحيطات والبحار والأنهار، والتي أصبحت موطنًا للكائنات الحية.
الماء رمز الحياة بل حيوات الحياة، يتحرك باستمرار من خلال دورة الماء، حيث يتبخر من المحيطات والبحار والأنهار، ويتكثف في الغلاف الجوي، ويعود إلى الأرض على شكل مطر أو ثلج، عبر هذه الدورة الكونية هو حاضر فينا جميعا. يمر عبر الجبال والوديان والسهول والشقوق الظاهرة والخفية، ويشكل الأنهار والبحيرات والينابيع، ينزل من السماء ويخرج من بين الأحجار ومن تحت الأرض، يشكل الوديان وله ذاكرة طريق، يعلم موطن مولده فيعود إليه لو مرت سنين وسنين.
يحكي الماء قصصًا عن التاريخ الجيولوجي للأرض، وعن الكائنات الحية التي عاشت وتعايشت على هذا الكوكب، كما يحكي قصصًا عن الحضارات والثقافات التي نشأت وتطورت حول الأنهار والبحار، كلما كان الماء كان الموطن والتوطين وميلاد الحضارات.
يحكي الماء قصصًا عن التغيرات المناخية والبيئية التي تؤثر على كوكب الأرض، الماء يعلمنا عن أهمية الحفاظ على الموارد الطبيعية والبيئة. وعن دورة الحياة والموت والتجدد .وعن أهمية التكيف مع التغيرات والتحولات، يغيب فيحل الجفاف، وتترهل الأرض وتذبل الحياة.
قصة الماء هي قصة حياة وتاريخ متجدد، بهذا الماء الذي يتشكيل كوكب الأرض وتبرز الحياة، من هنا تستمد سيدة الماء، بطولتها وطقوسيتها وأهميتها وحضورها ، مستندة لجذورها الجيولوجية والبيولوجية؛ لذا تخاطبنا هذه السيدة وهي رمز الطهرانية ورمز النماء، والانتظار، حيث تعد الأرض وتغرس، وينتظر المطر لتبدأ دورة الحياة.
سيدة الماء تلك البطلة الأسطورية، هي سهلة كماء زلال منساب..أحيانا تصبح كماء شلال يسقط بقوة من فوق أو يخرج بقوة من تحت، راقية كماء حوض في جنة بستان. متقلبة كماء بحر وموج..غص فيه عن الذر إن كان ساكنة واحدرها إن كان مزبدة..شفافة كماء حوض ..طعمة كماء يطفئ الظمأ..رحمة كماء غيث..طاقة إيجابية كماء وابل طيب لمطر يغسل الأرض والجسد.. في جميع حالاتها هي إكسير الحياة.
أحمد طنيش
