ثقافة

الثقافة ليست وراثة، بل هي مسار إنساني

aue.tanich 2 مايو 2025 - 12:41

في زمن تتسارع فيه التغيرات الثقافية وتتشكل فيه الهويات تحت تأثيرات متعددة، تبرز تساؤلات جوهرية حول مفهوم الثقافة: هل هي نتاج طبيعي للوراثة؟ أم حصيلة مجهود فردي وسعي دائم نحو المعرفة؟
بين البيت والمدرسة، بين الشارع وشاشات الهواتف، تنشأ ملامح الإنسان المعاصر، المثقف أحيانًا، والمتعثر في رحلة التثقف أحيانًا أخرى.من هذا المنطلق، جاء هذا التحقيق الصحفي كمحاولة لفهم الديناميات الخفية التي تشكّل وعي الإنسان الثقافي، بين ما وُرّث له، وما اكتسبه بجهده، في زمن باتت فيه المعرفة متاحة بلمسة إصبع.
خلفية الموضوع: تُجمع دراسات علم الاجتماع والثقافة على أن التنشئة الأولى تلعب دورًا هامًا في تشكيل ميول الفرد الثقافية. لكن إلى أي حد يظل هذا الدور حاسمًا؟ وهل يمكن للفرد أن يتحرر من حدود بيئته الأولى ليبني لنفسه هوية ثقافية مستقلة؟
بعض الباحثين يؤكدون على أهمية المحيط العائلي، خاصة في السنوات الأولى من حياة الطفل، معتبرين أن الطفل الذي ينشأ وسط مكتبة منزلية ووسط نقاشات فكرية يومية، يكتسب بشكل تلقائي حب المعرفة.
في المقابل، هناك من يعتبر أن الإرادة الفردية، في زمن الأنترنت والانفتاح العالمي، أصبحت أقوى من أي سياق بيئي سابق.
مواقف وشهادات من الميدان:لا تكتمل الصورة إلا عبر الإنصات لأصوات من الواقع، تعكس تجارب حية ومتنوعة.


سعاد، 20 سنة، طالبة بكلية العلوم، تقول:
“لم أكن أعيش في بيت مثقف. لم يكن لدينا الكثير من الكتب. لكنني في الجامعة بدأت أقرأ وأتعلم. أظن أن الثقافة اختيار شخصي قبل كل شيء. بدأت بمطالعة روايات بسيطة ثم انتقلت لكتب فلسفية. الإنترنت ساعدني كثيرًا، خاصة القنوات التعليمية ومنصات القراءة.”
هشام، أستاذ تعليم ابتدائي، يعلّق قائلاً:
“الثقافة تُكتسب بالتدريج، لكن الأسرة لها دور كبير. إذا كبرت في جو يحترم القراءة والنقاش، سيكون لديك استعداد طبيعي لطلب المعرفة. ألاحظ هذا عند تلاميذي؛ من تعوّدوا على طرح الأسئلة في البيت يبدون أكثر تفاعلًا في القسم.”
منى، ربة بيت في الخمسينات من عمرها، تقول بابتسامة:أنا لست متعلمة كثيرًا، لكنني أحب متابعة البرامج الثقافية والنقاشات العامة. أؤمن أن الإنسان قادر على أن يثقف نفسه في أي عمر. أحيانًا أفاجئ أولادي بمعلومة قرأتها أو استمعت إليها، فيندهشون.”
لتدعيم ما وصلنا إليه، تصلت بالدكتور رضا العلوي، أستاذ علم الاجتماع، وسألته عن رأيه العلمي في الموضوع، من خلال هذه المعطيات فأجاب بكل وضوح: “لا يمكن الحديث عن وراثة ثقافية بيولوجية. الثقافة تُنقل اجتماعيًا عبر الأسرة والمجتمع، لكنها ليست قدرًا محتومًا. الفرد يستطيع أن يُعيد تشكيل نفسه ثقافيًا إذا توفرت له الإرادة والوسائل” وأضاف: “اليوم، لم يعد التعلم حكرًا على المدرسة أو الأسرة، بل صار محيط الإنسان الرقمي من أقوى مؤثرات الوعي، سواء كان إيجابيًا أو سلبيًا. المهم هو كيف نتعامل معه.

من خلال هذه المقابلات والملاحظات الميدانية، يتبين أن المفهوم التقليدي للثقافة قد تغيّر. لم تعد الثقافة مرتبطة حصرًا بالمستوى الدراسي أو بالانتماء الطبقي، بل أصبحت تجربة شخصية متاحة للجميع، شرط وجود رغبة حقيقية في التعلم والتطوير، وهنا يأتي دور وسائل الإعلام، مواقع التواصل، والمكتبات الرقمية التي فتحت أبوابًا واسعة أمام كل من يريد أن يتثقف، حتى إن بعض الشباب يعتبرون “اليوتيوب” أو “البودكاست” مدارسهم الثقافية الحقيقية.
غير أن هذا الانفتاح لا يخلو من تحديات، خاصة أمام هيمنة المحتوى السطحي أو الموجه. وهنا تظهر الحاجة لثقافة نقدية، قادرة على التمييز والاختيار، مع العلم أن الثقافة ليست وراثة، بل مسار، وكل إنسان قادر على رسم هذا المسار بطريقته، متى أراد، وأينما كان.

أسماء بن سعيد

15 مايو 2025 - 13:46

المهرجان الوطني لجائزة محمد الجم لمسرح الشباب، التجربة الرائدة لمسرح مستقبلي

12 مايو 2025 - 18:29

جمعية إقلاع تخلد الذكرى الفضية لمهرجان بني عمار بلقاء مفتوح مع الدكتور حسن بلغازي

12 مايو 2025 - 13:04

التراند ميلاد اقتصادي وتطور تواصلي رصدي إعلامي

12 مايو 2025 - 08:16

المهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة في دورته ال 25 يحتفي بالذكرى التأسيس 48

أضف تعليقك