تاريخ القهوة في المغرب تاريخ المقاهي المغربية، ارتبط المشروب بالتحريم في البدء وتحول إلى عادة يومية يخفي فنجان القهوة الذي أصبح عادة المكان، واستلهمت الأمكنة اسمها منه، في بدايته افترق علماء الدين إلى قسمين، أصدر سلطان عثماني أوامر بشنق كل من ضبط بشربه وصل إلى حدود القرن التاسع عشر.
الآن أصبحت المقاهي من أهم الفضاءات التي تستقبلك في كل مكان، بتعددها وتنوع خدماتها وأصبح منظرها مألوفا وعاديا، وأصبحت ثقافة المقهى عند كل الفئات، وأصبحت القهوة جليسة كل مرتادي المقاهي، التي تعد الآن صالون مواز بل ومكتب ومكان اللقاءات الخاصة والعامة، لكن الأمر لم يكن كذلك خلال قرون مضت، حيث كان السلاطين والحكام يقطعون رؤوس من يتجرؤون على شربها، ويتسلحون في ذلك بفتاوى كبار رجال الدين الذين كانوا يعتبرونها مسكرا كالخمر.
تشير بعض الكتابات إلى أن ظهور القهوة يعود إلى القرن العاشر وربما لوقت سابق، فيما يعتقد أن الموطن الأصلي لها هو إثيوبيا. ومع حلول القرن السادس عشر كانت قد وصلت إلى مختلف مناطق الشرق الأوسط والهند وبلاد فارس، قبل أن تغزو جميع مناطق العالم.
كثر الجدل حولها مع دخولها المناطق التي كان يتواجد بها المسلمون، ودارت حرب بين فقهاء المسلمين بشأنها، وشطرتهم إلى فريقين بين مؤيد لشربها ومعارض لتذوقها. وخلال القرن السابع عشر قام سلطان الدولة العثمانية مراد الرابع بتجريم شرب القهوة ملوحاً بإعدام كل من يخالف قراره، ويسجل التاريخ عدة قصص في هذا الجانب حيث كانت القهوة تهرب وكأنها ممنوعات؛ إذ كانت تخزن في أماكن بعيدة، ومن ظهرت عليه علاماتها يعرض للتفتيش والتتبع والمراقبة.
لم يكن المغرب رغم عدم سيطرة الدولة العثمانية عليه بعيدا عن الجدل الدائر حول القهوة التي بدأ يعشقها الناس ويقبلون عليها، يشير محمد بن الطيب القادري (1712-1773)، في كتابه “نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني” إلى أن أخبار منع الدولة العثمانية تداول بعض المنبهات وصل إلى المغرب وقدم مثالا للقرارات التي كان تجد لها صدى في المغرب وقال “ومن عدله (السلطان العثماني) أنه أمر بقطع الخمر والقهوة والدخان من اصطمبول، وأرسل بذلك إلى حلب والشام ومصر، وكل من ظهر عليه لا شافع فيه كائنا من كان” الأمر الذي خلق الرعب، ويقول بعض المؤرخين رفع قيمة القهوة، لأن الممنوع مرغوب.
يشير الباحثان عبد الأحد السبتي وعبد الرحمان لخصاصي في كتابهما “من الشاي إلى الأتاي.. العادة والتاريخ” إلى أن موضوع تحريم القهوة من عدمه استأثر باهتمام عدد من رجال الدين المغاربة ومن بينهم محمد الطالب بن حمدون بن الحاج الذي عاش خلال القرن 19 وتلقى تعليمه بفاس، حيث قال “وأما القهوة المتخذة من قشر البن، فقد اختلف الناس فيها. فمن متغال فيها يرى شربها قربه، ومن غال يرى أن شربها مسكر كالخمر، والحق في ذاتها لا إسكار فيها، وإنما فيما تنشيط للنفس، ويحصل بالمداومة عليها ضراوة تؤثر في البدن عند تركها، كمن اعتاد اللحم بالزعفران والممفترات، فيتأثر عند تركه، ويحصل له انشراح باستعماله”. وتابع بن حمدون الذي تولى قضاء مراكش لـ13 سنة: “غير أنها تعرض لها الحرمة لأمور ذكرها الرعيني، الحطاب في شرخ المختصر واللقاني في شرح الجوهرة وسئل عنها بعضهم فأجاب بقوله:
أقول لأصحابي عن القهوة انتهوا **** ولا تجلسوا بمجلس هي فيه
فليست بمكروه ولا بمحرم **** ولكن غذت مشروب كل سفيه”.
فيما ذهب الشيخ المغربي نور الدين اليوسي الذي عاش بدوره خلال القرن السابع عشر إلى تحريمها، ودعا الناس إلى الابتعاد عن مجالسها، ووصفها بمشروب السفهاء.
وقبل ذلك بقرون كان الشيخ أحمد زروق الذي عاش في القرن الخامس عشر، والذي تلقى تعليمه بدوره في مدينة فاس، قد أفتى بحرمتها وقال “من كان طبعه الصفراء أو السوداء، يحرم عليه شربها لأنها تضره في بدنه وعقله، ومن كان طبعه البلغم فإنها توافقه”.
بالمقابل دافع علماء آخرون عن جواز شربها، ومن بينهم الفقيه المغربي علي الأجهوري الذي عاش خلال القرن السادس عشر، حيث أشار بحسب ما جاء في كتاب “من الشاي إلى الأتاي.. العادة والتاريخ” إلى بعض منافعها، من بينها أنها تساعد على الهضم وتشفي من الأمراض، وتزيل رائحة الفم الكريهة…
ومع مرور الزمن تجاوز المغاربة نقاش تحليل القهوة وتحريمها، وباتت مظهرا من مظاهر الكرم والضيافة، إذ تقدم في معظم المناسبات والحفلات للضيوف، وحاليا أصبحت القهوة أكثر المشروبات استهلاكا في المغرب، وأصبح الكثيرون يلقبونها بالمعشوقة السمراء.
إعداد: أحمد طنيش
أضف تعليقك