ثقافة

المقهى بتونس مكان وبن تاريخ العرب الحديث

aue.tanich 4 مايو 2025 - 17:40

في البدء كان الموقف من القهوة، وينعني يها اللبن المحضن والبن وهو المادة التي تعد منها القهوة، وربما كان تسمية البن بالقهوة مجازاً كإطلاق النار على جهنم« انظر منجد اللغة والأعلام» والمقاهي هي ظاهرة اجتماعية شرقية شأنها شأن الحمامات الشعبية، بدأت أول مابدأت في الشرق مع الأتراك في أواخر العهد العباسي، وذلك من أجل توفير مكان عمومي يجتمع فيه الرجال من أصدقاء وقرناء خارج البيوت ومن أجل أن يلهوا أو يتحدثوا في الأمور التي تربطهم ضمن الروابط الاجتماعية والثقافية والإنسانية عموما.
المقاهي قبل كل هذا ليست سوى تحريف لدور الحانات القديمة والتي كانت معروفة عند العرب في الجاهلية في حواضرهم ومضارب بواديهم، فلربما اتخذ أحدهم خباءه حانة يجتمع فيها السمار، يشربون الخمر ويأتون المباذل كما يتخذونها مقاصف ومراقص.
غير أن الدور الذي تلعبه القهوة ظل إلى عهد قريب دور المكان الذي يجتمع فيه الأتراب والأصحاب وحتى الفرقاء في المعاملات من أجل التحادث والتسامر بعيدا عن البيوت.والواقع أن الدور الذي أنشئت من أجله المقاهي في تونس عندما كان المجتمع كلاسيكيا ظلت تؤديه حتى بعد تحرر المجتمع وشيوع الانفتاح والنظيرية بين المرأة والرجل، فرغم كل هذا بقيت المقاهي مكان التقاء الرجال وتسامرهم بعيدا عن أجواء البيوت، ولعبت المقاهي دورا أساسيا إبان الكفاح ضد الاستعمار حيث اعتاد المناضلون الاجتماع في مقاهي محددة لعل أهمها مقهى باريس للتشاور والتخطيط وتبادل المعلومات بشأن التحركات وتنسيق العمل النضالي الثقافي والفكري وإلى حد ما العسكري.


مع المراحل التحولية والتطورية للمجتمع التونسي واقتباسه من الدخيل ومن التجارب العالمية حولت المقهى مجالا للممارسة الثقافية في بعدها الاجتماعي، فالقهوة مكان وفضاء ومجال لتنفيس المرء عن كاهله يوما مليئا بالعمل والكد. وهي أيضا مجال لممارسة هواية ما ، كهواية لعب الورق أو الرند«الطاولة» أو هواية تدخين الشيشة تلك الممارسة التركية الصرفة والتي جلبها الأتراك معهم إلى الربوع التي ملكوها. فلربما يحس مدخن الشيشة في حالة صفاء وجداني، أنه باشا أو باي أو هو أحد المقربين من هذين اللقبين الدالين على منصب عظيم في الهرم السلطوي التركي تاريخيا، لذا نظر إلى المقهى كمكان حر وخاص يجد في المرء حرية التصرف دون سلطة الآخر كيفما كان.
ثم إن القهوة أو المقهى يظل المكان المناسب للحديث بين الرفاق حول أمور الهوايات، كالكرة ومتعلقاتها كمرابيح الرهان على النوادي «بروموسبور» أو هي مكان للحديث في أمور النجاح والفشل واغتنام الفرص، بل قد تكون أحيانا مكانا للحديث في أمور الحب والزواج وقصص الغرام. ومن المقاهي ما يجمع بين الجنسين في إطار لقاءات الأحلام، لقاءات يتصور فيها الحبيبان حياتهما المستقبلية المليئة بالحب والسعادة والخصوبة، وكأنه مكان بين إما للارتياح من روتينية البيت، أو التفكير في تأسيس بيت خاص، لذا أطلق على المقهى بيت الجميع.
لكن المقاهي هي أيضا المكان المفضل لإطلاق الشائعات والأحاديث المصطنعة والتي قد لا يكون لها من الصحة إلا ما يتشفى به قائلها أو مروجها. وهو بذلك إنما ينفس عن حالة نفسية يمر بها، أو هو يسعى للمساس بخصم أو غريم زاحمه في صعيد من أصعد الحياة. ولذا فمن الشائع عند أهل تونس اعتبار الحديث الناشئ من القهوة حديثا كاذبا، بل وفي بعض الأحيان مبتذلا. فلربما رد عليك أحدهم عندما تسأله عن خبر ما: “هذا كلام قهاوي”.


كما أن أي كلام لا يستقيم ذوقا وأدبا يوصف بأنه «كلام قهاوي» وكل من لا يربأ بنفسه عن سفاسف الأمور أو هو لا يتقن عملا أو حرفة يستطيع أن يعيش من خلالها عيشة محترمة يوصف بأنه لا يصلح إلا أن يكون “قهواجي” رغم ذلك تظل القهوة أشبه ما تكون« بلحم الرقبة يؤكل ويذم». وفي تونس يتمنى البعض لو يحصل على رخصة لافتتاح مقهى عمومي، فهو في نظره مصدر للرزق مضمون الرواج والعوائد، لكون المواطن التونسي محب لمثل هذه الفضاءات ويقضي فيها كثير من الأوقات.
من جانبه، يضيف المختص في التراث والتقاليد التونسية، عبد السّتار عمامو، أنّ “هذا المقهى ارتبط بسوق الشّواشية، ففي قديم الأزمان لم تكن هناك مقاهٍ بالمعنى والشاكلة التي عليها مقاهي هذه الأيام، بل كانت القهوة والشاي تقدّم لأصحاب الصنائع على غرار الشواشيّة والذهب والصوف وغيرها”.
ويشتمل الشواشية على ثلاثة أسواق هي “السوق الحفصي”، “السوق الصغير” و”السوق الكبير”، وتم بناء هاتين الأخيرتين من قبل حمودة باشا الحسيني، بين عامي 1197 هـ/ 1782 م و 1230 هـ/ 1814 م.
والشواشية هي نسبة للشاشية (قبعة تقليديّة) أتى بها إلى البلاد التونسية المهاجرون القادمون من الأندلس.
وليس ببعيد عن مقهى سوق الشّواشّية، وتحديدًا في سوق “التُّرُك”، شيد مقهى “المْرابط”، على بعد أمتار قليلة من جامع الزّيتونة المعمور، ولعَلّ ما يميّز هذا المقهى جلسته الخاصّة، ففيه يجتمع الرواد على حصائر حيكت من نبتة السمار، وحول مائدة خشبيّة صغيرة نقشت بزخارف تقليدية علَتْها فناجين القهوة العربية والشاي.
الملاحظ أن تاريخ المقاهي في الوطن العربي ارتبط بالتمدن والتحضر، وهو عنوان علاقة العرب بالفضاءات الخارجية الحرة، كرمز أن العرب يتواصلون واجتماعيون.

إعداد: أحمد طنيش

15 مايو 2025 - 13:46

المهرجان الوطني لجائزة محمد الجم لمسرح الشباب، التجربة الرائدة لمسرح مستقبلي

12 مايو 2025 - 18:29

جمعية إقلاع تخلد الذكرى الفضية لمهرجان بني عمار بلقاء مفتوح مع الدكتور حسن بلغازي

12 مايو 2025 - 13:04

التراند ميلاد اقتصادي وتطور تواصلي رصدي إعلامي

12 مايو 2025 - 08:16

المهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة في دورته ال 25 يحتفي بالذكرى التأسيس 48

أضف تعليقك