تتميز مقاهي العاصمة العراقية بغداد بأجوائها الخاصة، تسترجع ذاكرة المكان والثقافة والزمن الجميل بروادها من الفنانين والمثقفين والسياسيين وأصحاب الروح المرحة. وكانت المقاهي الشعبية في بغداد تعتبر البديل عن النوادي التي تفتقر إليها بغداد في بدايات القرن العشرين، وشهدت المقاهي حوارات وسجالات معمقة بين المثقفين والسياسيين على حد سواء لذلك فقد أسهمت وبشكل فعال في التحولات الاجتماعية والسياسية العديدة التي شهدها تاريخ العراق.
من أقدم مقاهي بغداد يعود إلى جغالة زادة (سنان باشا) والي بغداد مابين (1586-1590م)، الذي بنى خاناً في الجانب الشرقي من بغداد عام 1590م، وكان من أشهر خانات بغداد وهو خان جغالة، ويعرف باسم خان جغان الذي تحوَّل إلى مقهى، حيث كلف الوالي جغالة زاده المعمار (برويز اغا) بأن يبني له مقهى في أحد محال بغداد، وهو أول مقهى كان موجوداً في بغداد عام 1590م.
جاء في مجلة سومر: ان مقهى جغالة أول مقهى بُني في العراق وكان مجمعاً للأدباء والشعراء بناه جغالة زاده سنة (999ه/ 1590م)، ويقع بالقرب من المدرسة المستنصرية بمحلة الحضائر التي تضم المدرسة المستنصرية و المدرسة النظامية في أطراف الخان الشهير بخان جغالة زادة، الذي بناه جغالة زادة خلال فترة حكمه للعراق، وجاء في وثيقة تاريخية مؤرخة سنة (1084ه/ 1673م) تشير إلى ان المقهى باعته الحكومة في تلك السنة لإسماعيل باشا بمبلغ قدره (125) قرشاً، وان بكر أغا كتخذا قبلان باشا اغتصب هذا المقهى بعد وفاة إسماعيل، إلا أن فتوى صدرت بإعادة المقهى إلى أيتام إسماعيل باشا. والمقهى لا أثر له اليوم.
من مقاهي بغداد القديمة وقد أنشأه الوزير حسن باشا الذي حكم بغداد مابين (1006-1010ه/ 1597-1601م)، وتشير المراجع التاريخية إلى أن الوزير حسن باشا أمر بإنشاء جامع الوزير كما أمر بإنشاء بعض المباني الأخرى منها مقهى يقوم عند الجامع يطل على نهر دجلة بنوافذ فتحت من واجهتها الجنوبية. وتشير المصادر والوقفيات إلى ان هذا المقهى بُني لكي يدر بالأموال على الجامع ومدرسته لإدامة بناء الجامع.
من مقاهي بغداد القديمة ويأتي بعد مقهى الخفافين بالقدم، ولكنه بالأهمية يكون الأول نظرا لوقوعه المميز على نهر دجلة، يقع في جانب الرصافة من مدينة بغداد، مجاوراً لخان التمر، وكان هذا المقهى يقدم الحفلات والمقام العراقي والجالغي البغدادي الذي يفتقره مقهى الخفافين لوقوعه عند باب الجامع. ومقهى الشط كما تذكر لنا الكتب كان على شكل مرتفع ومنخفض في الجانب الآخر تنزل اليه بثلاث درجات، وكان سقف المقهى مبني من الخشب ويستند على أعمدة خشبية ذات تيجان (الدلك)، وكان لهذا المقهى طلعة أمامية (مسناية) تطل على نهر دجلة.
يعتبر مقهى الشط من المراكز التجارية المهمة القديمة الذي ينشط عمله أثناء النهار وذلك لوقوعه نهاية المراكب والدواب التي تنقل المسافرين والتجار، كما كان المقهى سوقاً للتداول بقضايا البيع والشراء، ولأهمية المقهى قد أجيز خلال أيام شهر رمضان لموقعه البعيد عن الشارع العام ولأهميته التجارية، حيث لا يمكن الاستغناء عنه حتى في شهر رمضان، وكانت حفلة المقام العراقي تقام يومياً حيث يصدح في هذا المقهى.
من مقاهي بغداد القديمة ويقع في جانب الرصافة ويسمى مقهى السيد بكر وكان موضعه بجوار قلعة بغداد وهي مبنى وزارة الدفاع العراقية الحالي، وقد شيد المقهى على أطلال بناية مديرية إسالة الماء عام (1374ه/1954م)، وكان هذا المقهى في بغداد متميزاً لما يرتاده من أصناف الناس، إذ كان يحضر في هذا المقهى هواة الطيور ومناطحة الأكباش ومهارشة الديكة وتضم طائفة من الصم والبكم الذين يتفاهمون بلغة الإشارة فيما بينهم.
من أشهر المقاهي القديمة في بغداد، ويقع في نهاية شارع المتنبي قرب مبنى القشلة (المدرسة الموفقية سابقًا)، و مبنى المقهى كان سابقًا “مطبعة الشابندر” التي أسست عام 1907 وكان يملكها موسى الشابندر، الذي أصبح وزيرا للخارجية في زمن الملكية عام 1941 في وزارة رشيد عالي الكيلاني. وأصبح الآن من الأندية الاجتماعية المهمة في بغداد، ويعتبر أحد المعالم الثقافية المهمة في العراق، ويتداول فيه الحديث عن الثقافة والفن والشعر والسياسة. ويَتردد عليه عامة الناس والتجار والموظفون والأدباء، وكان يَتجمع به السياسيين والمثقفين العراقيين.
أحد مقاهي بغداد المشهورة والعريقة، يقع في وسط شارع الرشيد باتجاه الباب الشرقي، كان مجمع لطلبة الكليات والطبقة المثقفة والأدباء والشعراء، يلتقون في هذه المقهى ويتحلقون حول طاولات محددة لأدباء وسياسيين بعينهم ليتبادلوا آخر أخبار الأدب والثقافة والتي لا تخلو من تحاورات سياسية.
ارتاده رواد حركة الشعر الحر مثل بدر شاكر السياب عند حضوره إلى بغداد وبلند الحيدري وعبد الرزاق عبد الواحد ورشيد ياسين وسليمان العيسى وعبد الوهاب البياتي وغيرهم، يرتشفون القهوة البرازيلية المشهورة. كما أن المقهى كان يقدم الحلويات على أنواعها المستوردة من لبنان والتي عرفها المصطافون العراقيون في لبنان. افتتح في هذا المقهى مسار الحركة التشكيلية العراقية على أيدي جواد سليم وجماعته، فكتب في مذكراته بعد لقائه بالفنانين البولونيين، تلامذة الفرنسي بونار، في ذلك المقهى قال: “الآن عرفتُ اللون. الآن عرفتُ الرس”. كذلك من رواد هذه المقهى أغلب ساسة العراق أبان الحكم الملكي أمثال نوري السعيد.
مقهى الزهاوي أو قهوة الزهاوي هو مقهى في بغداد، يقع بين ساحة الميدان وجامع الحيدر خانة. تأسس المقهى سنة 1917 م. سميت على اسم الشاعر جميل صدقي الزهاوي. ومن رواده المشهورين: مطرب العراق الأول محمد القبانجي وخليفته يوسف عمر، وكثير من المثقفين والشعراء والمغنين والصحافيين الذين تملأ صورهم جدرانها. دمر المقهى جزئيا خلال الحرب سنة 2003، إذ كان يقع قرب مقر وزارة الدفاع.
من مقاهي بغداد الثقافية تأسس عام 1960 م كمحل لبيع القهوة ويقع في الكرادة الشرقية في بغداد، تتردد على المقهى العوائل العراقية وشخصيات من مختلف الفئات لكنه اشتهر بتجمع الأدباء والمثقفين العراقيين والعرب وتقام فيه أمسيات وملتقيات ثقافية تتنوع ما بين الأمسيات الشعرية وعرض المسرحيات وفعاليات خيرية وعلى عكس غالبية مقاهي بغداد يشهد رضا علوان حضوراً نسوياً ملحوظاً إضافة لحضور شخصيات سياسية ودبلوماسية رفيعة المستوى.
إعداد: أحمد طنيش
أضف تعليقك