يتفق الجميع على أن الإبداع فردي بطبيعته، إلا أن كتّابًا سوريين سبعة خرقوا هذه القاعدة ونجحوا في إنجاز رواية “القطار الأزرق” بروح جماعية، في أول ظاهرة عربية وعالمية سُجّلت لدمشق عام2021، برعاية مقبل الميلع، المغترب السوري الذي يحمل الجنسية الأميركية، وصاحب اليد البيضاء، لأن ترى هذه الرواية النور، وكان أحد المشاركين فيها، وعنها يحدثنا قائلًا: “كانت وما زالت تجربة رائدة وفريدة من نوعها، إضافةً إلى أهمية ما ترمز إليه هذه الرواية، والإجابة على سؤال: ماذا يعني التعاون؟ وماذا يعني اشتراك سبعة كتّاب في إنجاز نص إبداعي؟ وما هو مؤكد أنه ليس من السهل اشتراك سبعة أدباء في إنجاز عمل إبداعي، وجيناتنا الوراثية تحمل حبّ الخلاف والاختلاف، الذي بسببه كاد هذا المولود ألا يرى النور، فأمواجٌ عاتية ورياحٌ شديدة صادفت الكتّاب، وكادت أن تقتلع أشرعتهم أثناء إبحارهم في هذه الرحلة، التي راهن كثيرون على فشلها، إلا أن الإرادة والإصرار والإيمان بأن الأدب ليس ترفًا وتسلية، وإنما مسؤولية، دفعت لاختيار موضوع للرواية هو الحرب في سورية، الذي كان الهاجس المشترك للجميع، فتم الانتقال من الجهد الفردي إلى الجهد الجماعي، بكسر نمطية كتابة الرواية، والرغبة في خوض تجربة كانت تحديًا، ثم تحولت إلى تَمنٍّ، إلى أن أصبحت واقعًا ملموسًا”.
شارك في كتابة الرواية: الراحل سهيل الديب، محمد الحفري، محمد الطاهر، فاتن ديركي، جمال الزعبي، وعماد نداف، الذي يرى -وهو صاحب الفكرة- أن إنجاز هذه الرواية كان عبارة عن تحدٍّ كبير بالنسبة للكتّاب المشاركين، ولكنه كان تحديًا مسلحًا بالوعي والإصرار، دون أن يُخفي أن التساؤل بالنسبة للمشاركين كان: “هل نستطيع أن ننجز عملًا سرديًا بقلمٍ واحدٍ من خلال سبعة عقول؟” لا شك أن ذلك كان أمرًا صعبًا، إلى الدرجة التي اختلفوا فيها، وكاد أن يتشتت جمعهم وأن يفترقوا، إلا أنهم في النهاية تمكنوا من تحقيق نص السرد الجماعي، والتأكيد على أن العمل التشاركي هو الأساس في بناء المجتمع، حيث الخلاف لا يُجدي، والاختلاف ضرورة في كل المجالات”.. في حين لا يتردد أ. محمد الحفري في القول: “أنا لن أعيد التجربة مرة أخرى، لأنها كانت مرهقة للغاية وتجربة صعبة، على الرغم من أن إنجازها كان ممتعًا في الوقت ذاته، وكنت سعيدًا حينما وصل الجميع فيها إلى نتيجة مرضية لكل الأطراف، وقد جسّد كل كاتب من الكتّاب شخصيته الحقيقية إلى حدٍّ كبير فيها، لذلك يمكن القول إن هذه الرواية تضم مجموعة من السير الشخصية لكتّابها، ورسالتها تشير إلى أن المثقف في سورية بقي في برجه العاجي أثناء الحرب في سورية”.
تجربة التشاركية في رواية “القطار الأزرق” كانت بالنسبة ل أ. محمد الطاهر عبارة عن حلم تحوّل إلى حقيقة، بعد أن اجتمع عدد من الكتّاب الذين يمثلون سورية بكل أطيافها، وهم يحملون أفكارًا ورؤى مختلفة، دون أن ينكر أن اختلافات كثيرة حدثت بين المشاركين، إلا أنها أثمرت، وكانت النتيجة مرضية: “رواية “القطار الأزرق” تحمل كل عناصر الرواية، والولادة فيها كانت قيصرية، والمولود جاء بصحة جيدة، لإيمان كتّابها بعملهم وطاقتهم الإبداعية”.
وكان الروائي الراحل سهيل الديب، الذي كان أحد المشاركين في كتابة رواية “القطار الأزرق”، قد وصف الرواية قبل رحيله: “بأنها رواية محبة، لذلك اشتركت فيها بلا تردد، وهي لم ترَ النور إلا بعد جهد كبير بُذل من قبل جميع الكتّاب، وما جاء فيها على لساني ولسان الشخصيات الأخرى يُعبّر عني وعنهم بعيدًا عن أي تصنّع، مع الإشارة إلى أن الرواية تخيّلية بواقعيتها، وصادقة جدًّا، لأن أبطالها كانوا صادقين، فأتت شخصياتها من لحم ودم، وهي تجربة فريدة من نوعها، تؤكد في رسالتها على: “قد نتفق حتى ولو كنا مختلفين في الآراء”.
اتفاق مجموعة من المؤلفين على كتابة رواية يلخّص بعض الإنجازات الأخلاقية والتربوية والاجتماعية، برأي الشاعر توفيق أحمد، نائب رئيس اتحاد الكتّاب العرب -سابقًا-، الذي يقول: “إن الإبداع معروف تاريخيًّا ومعرفيًّا أنه فردي، ولكنه يمكن أن يكون جماعيًّا إذا تم التوافق بين المجموعة، التي استطاعت في “القطار الأزرق” أن تلغي من عقلها بعض الأمراض كالحساسيات والأنانية، إضافة إلى أمراض أخرى كثيرة، والأهم في هذه الرواية أن كل مؤلف كتب نصه باسمه الحقيقي، وهذه ميزة أخرى للعمل، وهي تجربة يمكن أن يستفيد من شكل إنجازها الشباب المبدعون، الذين يمكن أن يلتقوا مع بعضهم لإنجاز عمل إبداعي لتخفيف تكاليف الطباعة”.
أمينة عباس- دمشق
أضف تعليقك