تنتشر الحدائق العامة في دمشق كغيرها من العواصم العربية، وهي التي تُعد متنفسًا لسكانها بعيدًا عن البيوت التي ضاقت بأصحابها، لتكون ملاذًا للعائلات والأطفال، خاصة أيام العطل والأعياد، حيث يتوجه إليها أصحاب الدخل المحدود للتنزه أو لممارسة الرياضة، والاسترخاء. ومن أهم هذه الحدائق التي يعرفها السوريون جيدًا: حديقة تشرين الواقعة في قلب دمشق بالقرب من ساحة الأمويين، وتُعتبر من أكبر حدائق المدينة، وحديقة الجاحظ، والمتحف الوطني، والسبكي، والتجارة، والجلاء، وهي حدائق تشبه الحدائق العامة في أي بلد. لذلك أردنا أن نأخذك، عزيزي القارئ في الوطن العربي، إلى حديقة من نوع آخر موجودة في دمشق، وهي أول حديقة بيئية تم إنشاؤها في “سورية”.
كثيرون لم يسمعوا باسمها، وهي تقع على كتف أحد فروع “نهر بردى” الشهير، مجاورة لسور قلعة دمشق، وعلى مسافة أمتار قليلة من المسجد الأموي الشهير، وقصر العظم، وسوق الحميدية، ومقام صلاح الدين الأيوبي، تحيط بها البيوت الدمشقية القديمة الغافية على طرف النهر، تستقبلك كلوحة فنية طبيعية، بأشجارها ونباتاتها الخضراء وتصميمها الرائع قبل الدخول إلى “دمشق القديمة”، ممتدة على مساحة ألف متر مربع كانت قبل إنشاء الحديقة مكبًّا للنفايات والأوساخ، إلى أن اقترحت الجمعية السورية للبيئة، وهي أول جمعية أهلية تهتم بالبيئة في سورية، تحويل هذه المساحة إلى حديقة بيئية، بهدف إحياء وتعميق الرابطة بين الإنسان وموارده الطبيعية المتجددة من ماء ونبات وتربة، ورفع مستوى الوعي، وخاصة بين الأجيال الجديدة، حول أهمية العناية بالبيئة وحمايتها، إضافةً إلى إحياء بعض النباتات السورية القديمة، وتعريف معظم الناس بالناتج النباتي السوري في كل المحافظات، والتشجيع على إنشاء المزيد من الحدائق البيئية.
أُنشئت الحديقة البيئية عام 2003م بالتعاون مع السفارة السويسرية التي قامت بتمويل جزء لا بأس به من هذا المشروع، وتم افتتاحها في عام 2005م، وهي اليوم مؤلفة من ثلاثين جزيرة بمناظر خلابة، وكل جزيرة منها تحوي نوعًا مخصصًا من النباتات، ومنها: “جزيرة نباتات الظل، جزيرة النباتات الصخرية، جزيرة الزينة القديمة، جزيرة الغابات، الجزيرة المائية، جزر محاصيل الغوطة، جزيرة الأشجار المثمرة”، وغيرها الكثير، وتضم الحديقة نحو ثلاثمئة نوع نباتي مختلف، تمثل أهم وأشهر أنواع النباتات، أي ما يعادل عشرة بالمئة من النباتات الموجودة في كامل “سورية”، كما تضم بين أرجائها نباتات البيت الشامي، وغوطة “دمشق”، ووادي بردى، والجبال المحيطة به، لذلك سُمّيت بالحديقة الشامية.
يطوق محيط الحديقة الياسمين الدمشقي، الموجود أيضًا ضمن جزيرة خاصة به، في حين صُمّم على الجهة الغربية منها جزيرة نباتية خاصة بالأطفال تتيح لهم ممارسة الزراعة. وللحديقة نظام بيئي متكامل، على صعيد استخدام السماد العضوي الأقرب إلى البيئة والطبيعة، وعدم استخدام المبيدات الحشرية إلا عند الضرورة القصوى، إضافة إلى نظام الري الحديث، مع وجود بئر ماء للحديقة، وأربعة عمال ومهندسين للإشراف عليها بشكل مستمر. وفيها تم بناء كافتيريا تُراعى فيها الشروط البيئية من حيث تقديم الأطعمة البيئية، وهي المكان الأول في “سورية” الذي مُنع فيه التدخين. وقد تم الاتفاق بين محافظة “دمشق” والسفارة السويسرية أن يكون وارد الكافتيريا دخلًا مشروعًا وعلنياً يمكن للجمعية الاستفادة منه في الاهتمام والعناية بالحديقة، من أعمال صيانة دورية وشهرية، وأية مشاريع هادفة إلى حماية البيئة في “سورية”.
«هناك أعداد كبيرة من الزوار تأتي إلى الحديقة من كل مكان، منها الجمعية السورية للتوثيق والاكتشاف، والكثير من المدارس التي تُحضر طلابها لتعريفهم بالبيئة وأهميتها، وطلاب الجامعات أيضًا؛ كطلاب كلية العلوم والزراعة الذين يزورون الحديقة للاطلاع على نباتات غير موجودة إلا فيها، وطلاب كلية هندسة العمارة للاستفادة من شكل الجزر وتصميمها، كما يزورها السياح بنسبة عالية جدًا، حيث يشكّل مركز الحديقة مكان الجلوس الرئيسي، وفيه تم توزيع مقاعد خشبية ليتيح للزائر رؤية النهر ومجمل الحديقة. وهي تستضيف ملتقيات شعرية وأمسيات موسيقية»، يُذكر أن الحديقة تستقبل الزوار من كل الأعمار ومجانًا.
أمينة عباس ـ دمشق
أضف تعليقك