لا يحتاج المغرب إلى إثبات تاريخه، ولا إلى رفع صوته بين الأمم. يكفي أن تمشي بين ممرات “حديقة القصر الملكي بالرباط” لتدرك أن الجمال هنا ليس صدفة، بل اختيار، وأن السيادة تُكتب أحيانًا بأوراق الزيتون، وتُروى بخرير الماء، وتُغنّى بصوت طائر حر يعيش في كنف ملك حكيم.
توجد حديقة القصر الملكي بالمشور، الرباط العاصمة الإدارية، تمتد كأنها قلب نابض بالخُضرة، محاطة بأسوارٍ تحرس سرّ جمالية لا تُرى من الشارع، ولكن ترى من الأعلى كما تُحسّ في هواء المدينة. إنها ليست مجرد مساحة مزروعة بالنباتات، بل عمل فني متكامل، هندستها الأيادي المغربية الخبيرة بدقة وعشق، وصمّمها الحس الملكي الرفيع ليكون انعكاسًا لروحه: وقور، أنيق، ومليء بالحياة، وبجوانبها الخارجية حدائق متعددة، وكأن الأغراس والنباتات تتوالد وتجالس بعضها وتقيم مؤتمرا جماليا.
في هذه الحديقة، يتناغم كل شيء مع كل شيء. الأشجار موزعة بتوازن هندسي لا يخرق سكونه إلا خفق جناح طائر أبيض أو صوت حمامة مطمئنة. الطاووس، ذلك الطائر الذي لم يختر أي مكان ليسكنه، يختال هنا في حضرة الملك، وكأن الطبيعة نفسها تعترف بسيادة الجمال المغربي. البلابل تغني، واليمام يبني أعشاشه في أركان الحديقة، كأنها تعرف أن السلام هنا لا يُهدد.
المياه في نوافيرها لا تجري فقط لريّ النبات، بل كأنها تحفظ سرّ الهدوء الملكي. الزليج المغربي العريق يزيّن أطراف الممرات، والأرصفة تُروى بأشعة الشمس الناعمة كل صباح. لا شيء يعلو، ولا شيء يعكّر صفو هذا التوازن. إنها حديقة، لكنها في حقيقتها قصيدة خضراء تُكتب يوميًا في حضن وطن عظيم، بقيادة ملك أحب الأرض فبادَلته الخُضرة بالولاء.
حديقة القصر الملكي بالرباط ليست مفتوحة للزوار والسياح، لكنها مفتوحة في وجه من له مهمة إدارية في إحدى الوزارات المتواجدة هناك، أو زيارة للديوان الملكي المفتوح أمام الشعب، لكنها مفتوحة في خيال كل مغربي. نعلم أنها هناك، محفوظة، شاهدة على أن المغرب لا يبني فقط المدن والطرق، بل يبني الجمال في أدق تفاصيله. إنها تجسيد راقٍ لما يعنيه أن يكون الوطن جميلاً، قويًا، وهادئًا…
هدى بن الغالية
أضف تعليقك