تعد السياحة الثقافية أهم أنواع السياحة لأن لها علاقة بالتراث وبالجغرافيا وبالناس وبالعادات والتقاليد وبالتاريخ وبالطبخ والأثاث والحلي والملابس والتعبير الجسدي والاحتفالات وغيرها، كما لها جوانب شفهية وغير شفهية، كما لها علاقة بكل ما يهم نمط حياة الناس من تاريخ المكان والزمان والأشخاص والهندسة المعمارية، والفن، والدين، وكل ما يشكل نمط حياة الأفراد والجماعات فيها، ويمكن ممارسة هذا النوع من السياحة في المناطق الحضرية؛ مثل المدن التاريخية، أو المدن الكبيرة، عبر المتاحف والمسارح، والحدائق ومن الممكن أن تشمل المناطق الريفية التي تعرض تقاليد المجتمعات الأصلية الثقافية منها والتداولية والمعيشية والتواصلية.
كثيرة هي مناحي السياحة الثقافة فمنها ما يخص انتقال الأفراد الى مناطق الجذب الثقافي خارج مكان إقامتهم، وذلك لجمع المعلومات والمعطيات وصيد التجارب والخبرة التدبيرية في اليومي، ونقلها إلى بيئة أخرى أو إغنائها في بيئتها، كما تخبرنا أدب الرحلات، وكما أخبرنا ابن بطوطة، وكما جاء في مقدمة ابن خلدون، حينما تلتقي تجارب جديدة من أجل تلبية احتياجاتها الثقافية والتأثير على محيطها وبيئتها والتفاعل معها، أو الهجرة والتوطين في مكان آخر ونقل الثقافة القطرية التي تلتقي مع ثقافات أخرى وتتلاقح لتؤسس لثقافة متميزة أو ثقافة حضارة ما، كما أن الثقافات تسافر بدورها على عدة مستويات، إما بالمحكي أو التنقل، فهناك أشجار تم قلها من تربة ومن موطن ومن دولة إلى أخرى، كما الحلي والملابس وأدوات الوزينة وغيرها، والأواني خصوصا الطينية وفيما بعد النحاسية والفضية وهكذا دوليك، ونفس الأمر يقال عن اللغة بمعجمها ومفرداتها، لكون اللغة مساهمة إنسانية كل الشعوب لها صوتها، والمعجم له ميلاد وموطنه الذي ازداد فيه والآخر الذي شب وترعرع، وكذلك بعض الثقافات من عادات وتقاليد.
بهذا تتعدد أنواع السياحة الثقافية، نذكر منها كذلك السياحة التراثية المادية وغير المادية، التي تعتبر إرث بشري تتوارثه الأجيال، وقد تضيف إليه وتغنيه وأحيانه تعصرنه ليخاطب الأجيال الراهنة، من التراث المادي مثل البنايات والعمران وكل التراث المبني، المواقع المعمارية، مواقع التراث العالمي، النصب التذكارية، القصبات والقصور، تم الأماكن التي شهت أحداث تاريخية قديمة أو حديثة، ومواقع التراث الثقافي، والتي تشمل المتاحف بتنوعها والمكتبات وما تحمله من وثائق، وفضاءات الفنون الداخلية والخارجية، كالمسرح الإغريقي وبنايات مسارح العالم المواكبة للحضارات والفنون، وباقي معالم العالم، لذا تحلو السياحة الثقافية في المدن الثقافية، عبر متاحفها الطبيعية أو التوثيقية وعبر الجولات الثقافية البحرية والجبلية والصحراوية والتي تخص الماء عموما من وديان وشلالات وآبار وعيون وغيرها، وسفر وسياحة في المعالم التاريخية كالمدن القديمة والكلاسيكية والساحات العمومية. تم السياحة البصرية الثقافية كالملابس والحلي والأفرشة التي تمثل حضارات مضت وغيرها، إلى التراث لامادي مثل الحكاية والعادات الاحتفالية والتقاليد والتراث الشعبي لمناطق معينة، والتراث الغنائي في شكله المادي وغير المادي، عبر آلاته القديمة والحديثة وكلامه ولحنه وقصصه وأعلامه.
وهناك السياحة البيئية؛ مثل الغابات والحدائق، وهناك متاحف جديدة وثقت لهذه الثقافة والفن والثيقة عموما، ومنها متاحف النقود والأوراق المادية، والمتاحف الإعلامية، والمتاحف الصناعة التقليدية، ومتاحف الآلات القديمة أو الآلات التي تطورت.
ولا ننسى السياحة العرقية التي تحقق لمستفيدها التعرف على تقاليد الثقافات المحلية والتنوع العرقي في المنطقة، وسياحة المهرجانات المختلفة، الثقافية، الموسيقية والأخرى التي تخص الفنون الجميلة والرقص والأهازيج وغيره، والسياحة الثقافة الموسمية المرتبطة بالأعياد الدينية وغيرها وبالمناسبات الصيفية والربيعية على وجه الخصوص، مواسم الفلاحي وموسم الحصاد ومرتبطاته،هذه المناسبات التي تتنوع أماكنها وأشكالها واحتفالياتها بالمحصول أو بالخيل أو بفاكهة معينة، كما أن هناك السياحة الدينية والروحية والتي لها فضاءات متعددة في جميع الديانات، كما لها طقوسها وزمنها وعدتها، وضمنهم السياحة الإبداعية والثقافية مثل حضور الأنشطة الثقافية والفنية التقليدية والعصرية، مثل المعارض التشكيلية أو الإنتاجات السمعية والبصرية، ومنها تظاهرات المسرح والسينما والفنون الرقمية والإلكترونية.
إنّ دمج الثقافة مع السياحة لها العديد من الآثار الإيجابية إذ تساهم في انفتاح الثقافات على بعضها داخل الدولة ذاتها وبين مدنها ومناطقها، وقد تكون داخل نفس المدينة من خلال جهاتها ومكوناتها، كما يحصل الانفتاح بين الدول التي تنتمي لنفس القارة ولغيرها، لأن الثقافة عابرة لقارات كما السياحة تعبر القارات؛ لذا تعد السياحة والثقافة عنصران هامان للديبلوماسية الموازية بين الشعوب كونيا، وعليه يجد الباحثون الأنتربولوجيون أن هناك حوار متناغم ومنسجم مع بعضه البعض ومتعايش بين الثقافات.
من إيجابيات دمج الثقافة مع السياحة، جانب التأثير والتأثر تم جانب الاكتشاف الذي يعد عنصرا هاما لأي سياحة ولكل الثقافات، حيث تصبح السياحة والثقافة شيء واحد بهدف واحد، يدعم ويحقق ويعزز نمو الاقتصاد المحلي والدولي وبذلك يخلق فرص عمل هامة في بيئات واسعة تعزيزا للهوية الاجتماعية الكونية، وزيادة التماسك بين المجتمع/المجتمعات.
بهذا تعتبر السياحة الثقافية وسيلة حضارية ساهمت في رقي المجتمعات تعليميا وتربويا واقتصاديا زكت استفادة المجتمعات من بعضها البعض باعتبارها وسيلة تنموية ساهمت منذ القديم في إعداد كثير من الخبراء، وسفر الخبرة وتلاقحها وتأثيرها وتأثرها، واستمراريتها في الرسالة.
أحمد طنيش
أضف تعليقك