النظام الجزائري.. من نظام هجين إلى نظام استبدادي

يونس صبار؛ أستاذ القانون العام بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء

ما 5 تيفي – يونس صبار

يعتبر النظام الدستوري الجزائري، نظاما هجينا يؤثر تأثيرا مباشرا بالنظام القانوني للاستعمار الفرنسي، ممّا ترك بصمة واضحة على مواده تتعارض في جزء منها مع الصورة النمطية التي يتصورها المجتمع الجزائري، بشأن نظامه القيمي و القانوني، وعلى خلفية الحديث عن المعضلة الدستورية وأزمة الدساتير في النظام السياسي الجزائري نجد أن دساتير أزمات تستند إلى أغراض سلطوية بحتة،

 وهنا علينا القول أن الإشكال  لم يكن في الدساتير ذاتها، بل في واقع تطبيق المبدأ الدستوري على حقيقة سياسية تمثّلت في فلسفة وعقيدة تحكمها القوة والاحتكار  السلطوي، والذي عرفتهما الجزائر منذ أحداث صيف 1962 وكيفية وضوح صور الإقصاء السياسي.

النظام الجزائري ومنذ سنة 1963 يشهد لا توازن سلطوي صارخ، وهيمنة واضحة مارستها مؤسسة رئاسة الجمهورية، وإذا ما  قرأنا بتمعن أول دستور في البلاد ومدى احتوائها على نصوص صريحة تؤكد دوره في رسم السياسات العامة للدولة، والرقابة على منصب رئيس الجمهورية الذي كان معني بالمسؤولية السياسية، لكن واقع سياسة الدولة خالف الأصل الدستوري.

 وتحولت مؤسسة الرئاسة بدعم من مؤسسة الجيش سلطة تنفرد بالسلطة من العديد من مراحل الجمهورية الجزائرية، لكن ما يهمّ المتتبع هو مبدأ الديمقراطية الذي لطالما تغنى بها صانع القرار في الجزائر، مع وضوح غياب السلطة الممثلة للشعب، وهي البرلمان هذه المؤسسة التي يعتبر اختصاصها الأصيل نابع من سلطة الشعب وهو تشريع القوانين، وصنع وتصميم السياسة العامة للدولة جنبا لجنب مع السلطة التنفيذية، مع امتياز هذه الأخير بارتباطها بشكل نظام الحكم وهو الشبه رئاسي.

 ولكن غاب دور البرلمان سواء في عهد الحزب الواحد حيث كان منبع لإتباع وتنفيذ سياسات الحزب، وأمينه العام الممثل في شخص رئيس الجمهورية، أو في حالة تحويله إلى غرفتين زاد من عقدة الضعف البرلماني باستحداث غرفة قوتها في الثلث المعين من طرف رئيس الجمهورية، وهذه صورة توضح الهيمنة القاسية للسلطة التنفيذية على السلطة التشريعية في الجزائر، مع حق التشريع بأوامر المكفول دستوريا وفق النص 124 من الدستور الجزائري 1996، وكذا المجال الواسع الذي لم يلقى تحديدا قانونيا والذي يتمتع به رئيس الجمهورية في استغلال حقه في ممارسة السلطة التنظيمية.

لقد أغرق النظام الجزائري البلاد في أزمة اقتصادية ومالية واجتماعية غير مسبوقة بسبب قادته الذين تعوزهم الكفاءة والعاجزين عن بلورة خطط للإنعاش الاقتصادي في مواجهة الانعكاسات الكارثية لوباء “كوفيد-19”.

بعد سقوط بوتفليقة، عادت الجزائر إلى مؤشرات الفقر المدقع والبؤس الاجتماعي، وقد ظهر ذلكُ جليا، بانهيار القدرة الشرائية وقيمة الدينار الجزائري، وتفاقم أزمة السيولة، ونقص بعض المنتجات الواسعة الاستهلاك وتضخم البطالة، فضلا عن وضعية المؤسسات العامة والخاصة التي باتت على حافة الإفلاس، وغلاء المعيشة والارتفاع المهول في جميع أسعار المنتجات في الأسواق الوطنية.

وعلى المستوى السياسي، يمكن اعتبار الوضع الراهن بالجزائر  بـ “الكارثي”، كما أن النظام الجديد “أكثر استبدادا، والسجون تغص بسجناء الرأي والمعتقلين السياسيين”.

لقد وصلت  الجزائر إلى طريق مسدود، فالحراك لا يزال متواصلا ويزداد قوة، بينما لا تزال السلطة مصرة على إبقاء الوضع على ما هو عليه وتوجيه بوصلتها نحو المغرب، عوض الاستجابة للمطالب المشروعة لمواطنيها، ظل النظام، الوفي لطبيعته يراوغ.

 وقد قرر هذه المرة خيانة كل ما قامت به المملكة تجاه جيرانها، لحصولهم على الاستقلال، ودعم جبهة “البوليساريو” الانفصالية، في محاولة منها، إلى الاستقواء في المنطقة، والهيمنة عليها، مفتعلةً نزاعاً وهمياً ما يزالُ مستمراً إلى اليوم…

ونتيجة لما سبق يمكن القول أن النظام الجزائري تحول من نظام هجين إلى نظام استبدادي. 

-أستاذ القانون العام والعلوم السياسية بكلية الحقوق عين الشق بالدار البيضاء

www.ma5tv.ma

تابعنا على Google news
شاهد أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

ما 5 تيفي نود أن نعرض لك إشعارات بأهم الأخبار والتحديثات!
Dismiss
Allow Notifications