افتتاحية اليوم العالمي للرقص : أرقص ليفهمك العالم

لغة الجسد، لغة الروح، لغة الحياة، لغة الصمت، لغة العالَم.. كلها مصطلحات أُطلِقَت على فن الرقص الموغل في القِدَم بطقوسه وشعائره ذات الطابع الاحتفالي والديني.. يرقص الجسد ليعبّر عما تعجز الكلمات عن قوله، وقد كان الرقص لغة الإنسان القديم الأولى، فمن خلاله عبّر عمّا يشعر به، ثم تحول الرقص إلى طقس عبادي يتقرب العبد من خلاله إلى ربه.. يقول جلال الدين الرومي: “لا يفنى في الله من لا يعرف قوّة الرقص” مشيراً إلى معنى ومركزية الرقص المولوي في حياة الصوفي، وهو القائل أيضاً: “أرقص عندما يكون جرحك مفتوحاً، أرقص عندما تنزع الضمادة، أرقص في منتصف القتال، أرقص في دمك، أرقص عندما تكون حراً تماماً”.
أما زوربا فيقول لصديقه بعد رقصته الشهيرة: “كان الفرح يخنقني، وعليّ أن أروّح عن نفسي في كل مرة أكون فيها على وشك الاختناق، أرقص.. عندما مات صغيري ديمتراكيس وقفتُ هكذا ورقصتُ أمام جثته، وأخذ الأقارب والأصدقاء من حولي يصرخون: جُنّ زوربا! لكنني لو لم أرقص في تلك اللحظة لجننتُ من الألم” وقوله هذا ما هو إلا تأكيد لمقولة “نحن نهزم الألم في كل مرة نراقصه بها” وليس تصديقاً لمقولة أن المذبوح يرقص من الألم.
أثبتت الدراسات الصادرة عن كلية الطب بجامعة هارفارد أن للرقص آثاراً مفيدة على الدماغ إلى درجة أنه يُستخدم الآن لعلاج المصابين بمرض باركنسون، ويساعد في تقليل خطر الإصابة بالخرف لأنه يحسّن الذاكرة ويقوّي الروابط العصبية، ووفقًا للباحثين يتضمن الرقص جهداَ ذهنياً وتفاعلاً اجتماعياً وهو يُساعد على تقليل التوتر ويزيد مستويات هرمون السيروتونين المُحسّن للشعور بالسعادة” وهذا ما جعل الكاتبة الأسترالية فيكي باوم تقول: “هناك طرق مختصرة للسعادة، إحداها الرقص” وهو المتعة التي لن تحدث أي أذى للعالم كما قال الفيلسوف الفرنسي فولتير، لذلك انتشرت مؤخراً معاهد الرقص بكل أنواعه لتدريس هذا الفن بشكل أكاديمي للكبار والصغار وقد تخرجت منها أسماء في الوطن العربي حلَّقت في سماء العالمية، لتعلن أن الرقص لغة يفهما الجميع، وهذا يجعلنا نردّد: “دعْ جسدك يعبّر عن مشاعرك، وارقص لتبوح بما داخلك بلغة يفهمك فيها العالم كله وتذكَّر ما قاله زوربا: “يبدو لي أنني أفهم شيئاً ما، ولكن لو حاولتُ أن أقوله لهدمتُ كل شيء.. وذات يوم عندما أكون مستعداً سأرقصه لك”.. بقي أن نفول أن الرقص ملك لجميع المجتمعات في العالم, يمارسه الجميع دون استثناء، وكلّ رقصة تعبّر عن مجتمعها، فنرى في الوطن العربي الرقص الخليجي والصوفي ورقص السماح ورقصة السيف والترس، وكل رقصة من هذه الرقصات تلخّص بالجسد حكاية من حكايات هذه المجتمعات.
أمينة عباس – دمشق