الثقافة بين المفهوم والممارسة إلى الديبلوماسية الموازية

مر مفهوم الثقافة من عدة مراحل من الميلاد إلى النشوء والتطور إلى ما بعده، في حفرياتنا وادنا أن الغرب استعمل كلمة Culture بمعنى الصقل والتهذيب Cultivation وهي تحمل بين ثناياها اعتناق مجموعة من الأنماط والسلوكيات والالتزام بها لتكون دلالة على مكانة أو مرتبة معينة ووجاهة لذلك تمثلت الثقافة عندهم في السلوك وفي الشكل وفي التمثلات وفي الحياة اليومية وحضرت في المرافق العامة وفي نمط الحياة، من تم أعدت لها فضاءاتها، وأدرجت في التربية والتكوين، وفي القرن السابع عشر الميلادى تمثل مفهوم في الثقافة في العناية بشيء ما وهي مرحلة القرب من التراث واعتبار المكان ثقافة والكتاب ثقافة والإرث اليومي ثقافة، ثم تحول المفهوم فى القرن الثامن عشر تحولت المقاربة إلى مفهوم الرعاية البشرية بمعظم الأشياء حتى أصبحت الثقافة مكون عام وخاص، إلى أن تطور المفهوم في القرون الموالية.


هذا ولم يغب عن أذهان واضعي تعريف الفلسفة في المعجم الفلسفي حين عرفوا الثقافة Culture بأنها كل ما فيه استنارة للذهن وتنمية لملكة النقد والحكم لدى الفرد أو في المجتمع، وتشتمل على المعارف والمعتقدات والفن والأخلاق وجميع القدرات التى يسهم بها الفرد في مجتمعه ولها طرق ونماذج عملية وفكرية وروحية، ولكل جيل ثقافته التى استمدها من الماضي وأضاف إليها فى الحاضر وهي عنوان المجتمعات البشرية.
لذا فإن ثقافة أي مجتمع من المجتمعات هى ثمرة النشاط الإنساني المحلي النابع من هذا المجتمع، والمعبر عنه بقوة الطرح والإرث والأثر، والذي يؤكد ذلك بمواصل التقاليد والأعراف المجتمعات المختلفة والمتنوعة من مجتمع إلى آخر والاحتفال بإرث الأجداد. فمن لا ماض له لا حاض ولا مستقبل له، فالماضي ليس ثقافة فقط هو صورتنا ومرجعيتنا التي نعود إليها، وبذلك فهي ثقافة حضور ووجود واستمرارية.
ساهمت الثقافة بمفاهيمها المتعددة في الاستلهام من حاضرات بشرية كما ساهمت في تطوير حضارات، وصولا إلى النهضة العربية في جانبها الأدبي، مع ميلاد فكرة الصالون الأدبي، الذي اقتبس من تجارب عربية قديمة وأندلسية وغربية.
عرف الصالون الأدبي أو المنتدى الأدبي بالمكان الذي يستضيف فيه شخص بارز أو مهتم مجموعة من الناس إما للمتعة أو لصقل الذوق العام وتبادل المعارف والسجالات والمماحكات والحوارات، على منوال الحكمة الشهيرة التي أطلقها هوراس حين عرّف الشعر قائلاً «إما للمتعة أو للتأدب»، وغالباً ما ترتبط الصالونات بالحركات الأدبية والفلسفية والفكرية الفرنسية في القرنين السابع عشر والثامن عشر على الرغم من أنّ منشأها الأصلي يعود لولادة حركة النهضة في إيطاليا في القرن السادس عشر، ويرى بعض الباحثين أن أول هذه المنتديات بدأت في الأندلس.، وتطورت فكرة الصالون في كل عصور النهضة التي عرفتها كل الثقافات، نذكر منها صالون ولاية ميشغن الأمريكية، التي ذكرها ول ديورانت المؤرِّخ الأمريكي في مؤلفه قصة الحضارة، وقال عنها “إنَّ الحضارة نظام اجتماعي يعين الانسان على الزيادة من انتاجه الثقافي.”


تجليات وفوائد الصالونات الأدبي والفنية والثقافية تأسست بفضلها حساسيات ونظريات واتجاهات فنية وثقافية كبرى. بفضل الصالونات الأدبية بدأت تتبلوَر وتتفاعَل التجارب مع الكتّاب ونقاد ودارسين والمبدعين من شعراء وأدباء وفنانون تشكيليون ومن يحمل هم وقضية الفنون العصرية وأهل الفن وغيرهم، إلى أن تأسست الصالونات الديبلوماسية التي وثقت للثقافة الديبلوماسية والقانونية والعلاقات بين الدول والحضارات.
الديبلوماسية الثقافية هي نوع من الديبلوماسية العامة التي تمثّل السياسة الخارجية للدولة، والتي بدورها هي انعكاس لسياستها الداخلية، ويفترض أن تكون أهدافها منسجمة مع أهداف السياسية الخارجية، لكن وسائلها تختلف عنها، فهي تستخدم القوّة الناعمة التي تشمل الأفكار والمعلومات والآداب والفنون واللغة وغيرها من جوانب الثقافة للتأثير على الآخر.
تستخدم الديبلوماسية الثقافية لأجل تعزيز التفاهم المتبادل بين الأمم والشعوب والأديان والقوميات، لتعميم مُثل الدولة وقيمها ومؤسساتها في محاولة لبناء دعم واسع لأهدافها الاقتصادية والسياسية والثقافية بين الشعوب والأمم الأخرى، بمعنى آخر، أن الديبلوماسية الثقافية تعبّر عن روح الأمة أو الشعب، بما فيه من إيجابيات ومزايا لخلق التأثير المنشود، بما يخدم الدولة وأمنها الوطني وأهدافها العامة، من تم يمكن أن تلعب الديبلوماسية الثقافية التأثير على الرأي العام من خلال شبكة علاقات، سواءً عبر كبار الموظفين في دولهم من خلال إعلاميين وفنانين أو بواسطة الوسيط الأكاديمي أو منظمات المجتمع المدني.

هيئة التحرير

تابعنا على Google news
شاهد أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie اوافق لمزيد من المعلومات، يرجى قراءة سياسة الخصوصية

سياسة الخصوصية