الحمية الحضارية لسورية التاريخ والثقافة

وأنا أتابع قضية سوريا الجديدة بشعار إعلامي سوريا وطن لكل المواطنين، أعلن أنني لا أعترف شخصيا بأن هناك سورية جديدة تفترض أن هناك سورية قديمة، هناك سورية واحدة، سورية التسلسل التاريخى والجغرافية والعمر اني والبشري، وعلينا أن تتغلب على الإثنية والطائفية، وأن نؤمن بأن النسيج الوطني السوري واحد لا يمكن أن يتجزأ، وعلى سورية أن تمارس شرعيتها الدولاتية، هذا الفعل الذي صودر في مراحل معينة وكانت نتيجته هذا العبث والتجييش والتحريض الطائفي، أن تستحضر سورية ميلادها الساكن في التاريخ، كعربي ومغربي ومنتمي لهويتي البشرية تحديدا، أعرف سورية من وجهة اطلاع ثقافي..
رفعت سؤال للتاريخ فأخبرتني المواقع والمراجع أن سورية الحالية تقع على الجناح الغربي للهلال الخصيب في موقع هام بين الشرق والغرب وبهذا فإن أرض سورية الحالية قد شهدت بعضًا من أقدم وأهم الحضارات على وجه المعمورة، كما دلت على ذلك الاكتشافات الأثرية الهائلة التي يعود بعضها إلى ما يزيد عن ثمانية آلاف عام قبل الميلاد، ولا تكاد تخلو منطقة من مناطق سورية من المواقع الأثرية التي تعود إلى فترات زمنية مختلفة والتي يزيد عددها على 4500 موقع أثري هام.


بل وأخبرني مرجع “سورية قبل التاريخ خلال العصور الحجرية” وهو وثيقة تعود لوزارة السياحة السورية،من خلال نسخة محفوظة على موقع واي باك مشين. جاء فيها أن سوريا تنمتي إلى الحضارات السامية القديمة ويعتبر علماء الآثار أن سورية مركزًا لإحدى أقدم الحضارات على وجه الأرض .في هذا الموقع الجغرافي والحضاري كانت بداية الاستيطان البشري وتخطيط أولى المدن واكتشاف الزراعة وتدجين الحيوانات ومعرفة وتطور الأبجدية هنا اكتشف (المنجل الأول والمحراث الأول) هنا قامت المدن الأولى في التاريخ، مثل المملكة الأثرية إيبلا في شمال سورية حيث بنيت إمبراطورية وامتدت من البحر الأحمر جنوبا حتى تركيا شمالا وحتى الفرات شرقا واستمرت من عام 2500 إلى 2400 قبل الميلاد. تضم سورية إضافة لذلك العديد من الحضارات والمدن والممالك: مملكة ماري، وأوغاريت، وراميتا، والبارة، ودورا أوربوس، وسرجيلا، وكرك بيزة، وجرارة، وقاطورة، وعين دارة، وشمس، وباصوفان، والنبيهوري، وأرواد، وقطنا، وشهبا/فيليبولس، وقنوات، وصلخد، وأفاميا، وحمو كار، وبعودة، والمناره، وتوتال، ودير سنبل، وإيمار، والدانا، وسرمدا وغيرها العشرات من المدن. إن كثرة الحضارات التي قامت وتقاطعت فوق الأرض السورية والغنى الكبير للمواقع التاريخية التي تعود لكافة العصور والحضارات  تجعل سورية مدخل وبوابة للتاريخ، فقد قامت على أرض سورية حضارات كثيرة وسكنتها شعوب شتى يمكن تعدادها على الترتيب: السومريون، الأكاديون، الكلدان، الكنعانيون، الآراميون، الحيثيون، البابليون، الفرس، الإغريق، الرومان، النبطيون، البيزنطيون، العرب، وجزئيا الصليبيون، وأخيرًا كانت تحت سيطرة الأتراك العثمانيون كما أنها خضعت للانتداب الفرنسي بين عامي 1920 و1946، إنها متحف بشري وحضاري كبير.


بالإضافة إلى هذا ربما لا يعلم الكثيرون أن انتشار المقاهي الشعبية في دمشق لوحدها سبق مثيلاتها في أوروبا بأكثر من مئة عام، وهو ما يؤكده الباحث سامر عكاش في كتابه “يوميات شامية… قراءة في التاريخ الثقافي لدمشق العثمانية في القرن الثامن عشر”، إذ أن “أول ظهور لأنماط من الفعاليات الاجتماعية المرتبطة بشرب القهوة في فضاء المدينة العام يعود إلى النصف الأول من القرن السادس عشر، بينما المقهى الأول الذي شهدته أوروبا فُتِح في لندن منتصف القرن السابع عشر”، والأمر ذاته تشير إليه الباحثة السورية هلا قصقص في كتابها “المقهى الشعبي الدمشقي… فصيح العبارة في نشأة المقاهي من اجتماع وثقافة وعمارة”.
هذه الأسبقية التاريخية منحت المقاهي الشعبية في دمشق الرِّيادة في تغيير وجه المدينة، بما خلقته من أنماط اجتماعية جديدة في العلاقات، وما احتوته من أسلوبية مغايرة في الحياة والتلاقي، خارج إطار المنزل والعمل وفضاءات المعرفة والأماكن الدينية، فضلاً عما يتم ضمنها من نقاشات وسجالات فكرية جعلت من المقهى منتدى اجتماعياً وثقافياً وحتى سياسياً مُصغَّراً، كان له تأثيره الواضح على الكثير من مفاصل عيش السوريين عامة، إضافة إلى دوره في تغيير معالم المدينة الحديثة، كما أشار  الباحث سامر عكاش ..بأن القهوة تعد من أهم العناصر التي ساهمت بظهور أحوال التمدُّن الجديد.
لذا أستنتج أن سورية مقصودة بتاريخها بأسبقيتها بحضارتها وتمدنها، وهي الآن مدعوة أن تعي اللعبة، فسورية للجميع وبالجميع ولن تكون إلا سورية الإجماع.

أحمد طنيش

تابعنا على Google news
شاهد أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie اوافق لمزيد من المعلومات، يرجى قراءة سياسة الخصوصية

سياسة الخصوصية