من إعلان “ويندهوك” سنة 1991، إلى يوم العالمي لحرية الصحافة سنة 1993، واليوم مرحلة الذكاء الاصطناعي


تحتفل دول العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة، في 3 مايو من كل عام ميلادي بدء من سنة 1993، الذي يركز على ضرورة وفاء الحكومات بالتزاماتها تجاه حرية الصحافة، ما يتيح للمهنيين العاملين في وسائل الإعلام، الفرصة للتحدث عن مسائل حرية الصحافة والأخلاقيات المهنية.
كما يُعد اليوم العالمي لحرية الصحافة، فرصة للوقوف إلى جانب وسائل الإعلام الملجومة والمحرومة من حقها في ممارسة حرية الصحافة، وكذلك يحيي ذكرى الصحفيين الذين قضوا نحبهم في أثناء متابعتهم لأحد الموضوعات، وهي فرضة لتقييم حرية الصحافة في جميع أنحاء العالم، وكذلك الدفاع عن وسائل الإعلام في مواجهة الاعتداءات على استقلاليتها، فضلًا عن إحياء ذكرى الصحفيين الذين خسروا حياتهم في أثناء ممارستهم مهنتهم.
في سنة 1993 أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفقًا للتوصية التي اعتمدها المؤتمر العام لليونسكو في دورته السادسة والعشرين التي عُقدت في عام 1991؛ والتي كانت ردًا على نداء أطلقه الصحفيون الأفريقيون الذين أصدروا في عام 1991 إعلان “ويندهوك”.
يلخص لنا المحور الذي أختير لليوم العالمي لحرية الصحافة 2025 هو “حرية التعبير في مواجهة ثورة الذكاء الاصطناعي”، ورغم أن مبادئ الإعلام الحر والمستقل والتعددي لا تزال ذات أهمية حاسمة، إلا أن هناك تأثير للذكاء الاصطناعي على جمع المعلومات ومعالجتها وكذلك نشرها وإشاعة نشرها، ما يوفر فرصًا مبتكرة إلى جانب تحديات خطيرة على حد سواء، الذكاء الاصطناعي والصحافة عنوان تطوير وإشكالية تعويض الذكاء الاصطناعي للصحفيين، حيث أصبح الذكاء الاصطناعي صحفي ذكي وخبير وسريع ومتعدد يعرف كل الأجناس الإعلامية بل يطورها ويمدها بكل المعلومات الدقيقة قبل العامة، وفي أي زمن ووقت تريد.
بهذا التحول والتطور أصبح الإعلامي تقليدي أمام الذكاء الاصطناعي، حيث يمتاز بالمهنية وبالأسلوب وتعدد الثقافات واللغات، الأمر الذي يدعوا الصحفي الحالي أن يعقد لقاءات وتحاور وتواصل مستمر مع هذا الإعلامي الإلكتروني، الذي طور الإعلام الإلكتروني من الحامل والوسيلة التقنية إلى الفاعل والصحفي..
أصبح الذكاء الاصطناعي الآن يلعب دورًا كبيرًا في الصحافة، إذ يساعد في دعم حرية التعبير من خلال توفير ما لي الآتي: تسهيل الوصول إلى المعلومات.السماح لعدد أكبر من الناس بالتواصل في جميع أنحاء العالم. تغيير كيفية تدفق المعلومات على مستوى العالم.
ورغم ذلك فإنه يجلب مخاطر جديدة، إذ يُمكن استخدامه في تحقيق الآتي: نشر معلومات كاذبة أو مضللة.
زيادة خطاب الكراهية على الإنترنت. دعم أنواع جديدة من الرقابة.
تتعدد استخدامات الذكاء الاصطناعي في الصحافة، فقد تستخدمه بعض الجهات الفاعلة، في المراقبة الجماعية للصحفيين والمواطنين، الأمر الذي يخلق تأثيرًا مخيفًا على حرية التعبير، في حين قد تستخدمه المنصات التكنولوجية الكبرى، في تصفية المحتوى الذي يتم عرضه والتحكم فيه، الأمر الذي يجعله الحارس القوية للمعلومات؛ لذا تتزايد المخاوف حول جعل الذكاء الاصطناعي، وسائل الإعلام العالمية متشابهة للغاية، ما يقلل من وجهات النظر المختلفة، وكذلك طرد وسائل الإعلام الأصغر.
يتوفر المغرب على مؤهلات هامة توفر له التموقع بشكل جيد في مجال الذكاء الاصطناعي واعتماد نصوصا قانونية تؤطر الجوانب الأساسية للتكنولوجية الرقمية من قبيل الأمن السيبيراني وحماية المستهلكين، وإن المبادرات التي جرى إطلاقها في هذا المجال من قبيل المركز المغربي للذكاء الاصطناعي (Al Movement التابع لجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، وبرنامج الخوارزمي التمويل مشاريع بحث في مجال الذكاء الاصطناعي، فضلا عن مبادرات أخرى أطلقتها مدارس المهندسين وبعض القطاعات الحكومية لتعكس وجود إرادة في إعطاء دينامية مهمة المجال الذكاء الاصطناعي بالمغرب، أما على المستوى الدولي فإن المملكة منخرطة بقوة في جهود إرساء استخدام أخلاقي ومسؤول الذكاء الاصطناعي من خلال اعتمادها لتوصيات منظمة اليونيسكو ذات الصلة والمشاركة في رعاية قرار للأمم المتحدة حول الذكاء الاصطناعي في خدمة التنمية المستدامة.
الأمر الذي يتطلب انخراط جميع المؤسسات المعنية بهذا الذكاء الاصطناعي، للانخراط في مرحلته بوعي وإرادة وقدرة تتطلب بالموازاة التكوين وإعادة التكوين والتكوين المستمر.
شهد المغرب تطورا ملحوظا في مجال الإعلام الرقمي خلال العقد الأخير، حيث باتت صحافة الإنترنت إحدى الركائز الأساسية للإعلام الحديث في البلاد. ومع انعقاد النسخة الأولى من المؤتمر الدولي للتحول الرقمي في الإعلام، الذي أقيم بالمغرب أيام 16،17، 18 نونبر 2024، من تم أصبح يطفو على السطح النقاش حول مستقبل الصحافة الرقمية، ودور الذكاء الاصطناعي في إعادة تشكيل هذا المجال.
تعكس التجربة المغربية في صحافة الإنترنت توجها متزايدا نحو الرقمنة، حيث أصبحت المواقع الإخبارية والمنصات الرقمية المصدر الأول للأخبار بالنسبة لشريحة واسعة من المواطنين. ومع ذلك، تواجه الصحافة الرقمية في المغرب تحديات كبيرة.
تعتبر المصداقية والجودة من التحديات الكبرى التي تواجه صحافة الإنترنت في المغرب، حيث يؤدي انتشار الأخبار الزائفة والمحتوى غير الموثوق إلى تقويض ثقة الجمهور في المنصات الرقمية. ومع تحول الذكاء الاصطناعي إلى أداة رئيسية في صناعة الإعلام، يمكن استغلاله لضمان تحقيق مستويات أعلى من الدقة والمصداقية من خلال تقنيات التحقق التلقائي من الأخبار، وتحليل مصادر المعلومات، وتقديم محتوى عالي الجودة. ومع ذلك، يظل العنصر البشري ضروريا لضمان الالتزام بالمعايير الأخلاقية والمهنية.
كما تشكل مسألة التمويل أحد أبرز العقبات أمام استدامة الصحافة الرقمية في المغرب. بحيث تعتمد مجموعة قليلة من المنصات الإخبارية على الإعلانات، والتي باتت مصدر دخل غير مستقر بسبب المنافسة الحادة والتغيرات في سلوكيات المعلنين. في هذا السياق، تبرز أهمية تطوير نماذج اقتصادية مبتكرة، مثل الاشتراكات المدفوعة، والشراكات مع المؤسسات، واستخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل اهتمامات الجمهور. إذ يعد بناء قاعدة جماهيرية مخلصة ومتفاعلة مفتاح النجاح في تحقيق استدامة طويلة الأجل للمؤسسات الإعلامية الرقمية.
في حين تعكس المنافسة الشديدة بين المواقع الإخبارية المغربية تحديا كبيرا لصناعة الإعلام الرقمي، حيث تتنافس مئات المنصات لجذب القراء من خلال تقديم محتوى جذاب وفوري. وفي هذا السياق، يمكن أن تلعب تقنيات الذكاء الاصطناعي دورا محوريا في تمييز المؤسسات الإعلامية عن منافسيها من خلال تقديم تجارب شخصية مخصصة للمستخدمين، وتحسين سرعة تقديم الأخبار، وتحليل التفاعلات مع الجمهور. ومع ذلك، تبقى الحاجة إلى الابتكار المستمر ضرورة لمواجهة هذه المنافسة وتحقيق مكانة رائدة في السوق الإعلامي الرقمي.
أحمد طنيش