انقلاب النيجر …هل ماتت الديمقراطية في منطقة الساحل

د. خالد الشرقاوي السموني

 

مدير مركز الرباط للدراسات السياسية و الاستراتيجية

 

على إثر استيلاء عسكريون من الحرس الرئاسي على السلطة في النيجر يوم 26 يوليو وإعلان قيادة القوات المسلحة عن دعمها للمجلس العسكري الذي أطلق عليه “المجلس الوطني لحماية النيجر” في اليوم الموالي ، ، و تعيين اللواء عبد الرحمن تشياني، حاكما عسكريا لدولة النيجر ، يكون الانقلاب قد أرسى دعائمه. وهكذا صارت بلدان الساحل والصحراء بؤرا للانقلابات والفوضى، فقد شهدت دول المنطقة خمسة انقلابات عسكرية في السنوات الثلاث الماضية.

 

تغيرات كبيرة تشهدها منطقة الساحل الافريقي، خاصة قطع العلاقات مع الحليف الفرنسي ، نتيجة للسخط ضده بسبب التدهور الأمني في النيجر رغم الوجود العسكري الفرنسي الذي لم يحقق أي نتائج إيجابية في ضمان الاستقرار و هزيمة المتمردين على السلطة و مكافحة خطر الإرهاب منذ أكثر من 10 سنوات في المنطقة. ناهيك عن سابقة قتل مجموعة من المتظاهرين في النيجر من قبل الجيش الفرنسي في نوفمبر 2021، وهو ما أدى إلى تجييش المشاعر المعادية لفرنسا في النيجر، فضلا عن تفشي الإحباط في أوساط الجيش وعامة الشعب.

 

لقد ضلت النيجر القاعدة الأساسية التي تتحرك من خلالها فرنسا في منطقة الساحل بعد إبعادها من مالي وبوركينا فاسو من قبل قادة الانقلاب العسكري الذي حدث هناك . كما كانت تظن فرنسا أن النيجر تختلف عن دول المنطقة ، كونها دولة مستقرة في منطقة مضطربة، حيث تعتقد أن الرئيس المخلوع محمد بازوم له القدرة على تلميع صورة الغرب أمام الشعب النيجري ، وتجاهلت في نفس الوقت مساوئ حكم الرئيس بازوم، مثل تقييد المعارضة السياسية والتضييق على حرية الصحافة و الرأي .

 

و المثير في هذا الصدد أن انقلاب النيجر يحظى بدعم شعبي أكبر مما كان عليه الأمر في مالي وبوركينا فاسو، مما يعوق أي تدخل عسكري محتمل من قبل تجمع غرب إفريقيا “إيكواس” .و حتى فرنسا ، المتضرر الكبير من الانقلاب ، يصعب عليها اللجوء إلى القوة لعودة الرئيس بازوم المخلوع إلى السلطة ، علما بأن الانقلاب سيؤثر على الاقتصاد الفرنسي بشكل ملحوظ ، خاصة أن فرنسا واحدة من أكثر دول العالم المستوردة لليورانيوم من النيجر ، و تستضيف هذه الأخيرة قاعدة عسكرية فرنسية وهي سابع أكبر منتج لليورانيوم في العالم ، حيث تزود النيجر 15% من احتياجات فرنسا من اليورانيوم .

 

انقلاب النيجر قد يغير الوضع الإقليمي بمنطقة الساحل . أولا ، هناك حلف بدأ في التشكل في منطقة الساحل بين مالي وبوركينا فاسو وغينيا، و من الأكيد ستنضم النيجر إليه ، وهو حلف يجهر بالعداء لفرنسا ويسعى إلى إنهاء ما يسمونه ”الاستعمار الجديد “، وعقد شراكات مع روسيا. ثانيا ، يمكن لهذا الانقلاب أن يشجع قيادات عسكرية في دول المنطقة لحدو نفس النهج ، لا سيما نيجيريا التي تعاني من انعدام الاستقرار والتدهور الاقتصادي. ثالثا ، انتشار الجماعات المتشددة، والمجموعات التابعة لـ”تنظيم القاعدة” و”تنظيم الدولة الإسلامية” في مساحات شاسعة من منطقة الساحل.

 

فهل ماتت الديمقراطية في منطقة الساحل وصارت النماذج العسكرية هي الحل ؟.

 

إن أكبر تحدي للولايات المتحدة الأمريكية ، والغرب عامة ، هو كيفية احتواء أزمات الساحل ومنع امتدادها إلى مزيد من الدول في غرب إفريقيا ، ككوت ديفوار وغانا وبقية دول المنطقة ، فضلا عن الرفض الشعبي للوجود الغربي وخاصة الفرنسي، وتوسع النفوذ الروسي بإفريقيا .

 

لكن في نفس الوقت يجب الاعتراف بفشل النموذج الديمقراطي للحكم في دول المنطقة وهو نموذج صنعته بالخصوص دولة فرنسا ، يقوم على خلق الصراعات بين النخب السياسية ومحاباة طرف سياسي ضد طرف آخر، وتقديم المصالح الاقتصادية على مصالح الشعوب الافريقية ، مما نتج عنه حقد متزايد ضد فرنسا ، و الغرب بصفة عامة .

 

ستعيش دول الساحل ، لا محالة ، مزيدا من الفوضى و الاضطرابات ، لأن الحكم العسكري ، رغم تأييده من قبل الشعب ، لن يكون بديلا للحكم المدني الديمقراطي القائم على التمثيلية والانتخابات الحرة .

 

فلابد من وعي سياسي وشعبي بدول منطقة الساحل للانتقال إلى مرحلة جديدة ، مرحلة الإقلاع تكون أساسها الديمقراطية و التنمية و الأمن و الاستقرار السياسي.

تابعنا على Google news
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

ما 5 تيفي نود أن نعرض لك إشعارات بأهم الأخبار والتحديثات!
Dismiss
Allow Notifications