النيابة العامة: بعض المنظمات الاجرامية استغلت أوضاع “كورونا” لضخ أموال في الاقتصاد النظامي

دورة تكوينية في مجال مكافحة غسل الأموال

قال هشام بلاوي، الكاتب العام لرئاسة النيابة العامة، إن وباء “كوفيد-19” خلف تداعيات ليس على المستوى الصحي فحسب، بل حتى على المستوى الاقتصادي، حيث عرفت هذه الفترة مجموعة من التحويلات المالية استغلت بعض المنظمات الاجرامية هذه الأوضاع لضخ أموال في الاقتصاد النظامي وهي كلها مخاطر تنضاف إلى أخرى، وشكلت تحديا كبيرا أمام السلطات المكلفة بإنفاذ القانون في إطار مكافحتها لجرائم غسل الأموال، وهو ما أشارت إليه عدة تقارير دولية في مقدمتها تقرير مكتب الأمم المتحدة المعني بالجريمة والمخدرات الصادر في 14 أبريل 2020، تحت عنوان: “غسل الأموال و”كوفيد-19″ الأرباح والخسائر” وأيضا تقرير مجموعة العمل المالي “GAFI” بتاريخ 20 ماي 2020 تحت عنوان “غسل الأموال وتمويل الإرهاب في فترة كوفيد 19: المخاطر والإجابات السياسية”.

وأبرز  بلاوي في كلمته، نيابة عن الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة، بمناسبة الدورة التكوينية المتخصصة في مجال مكافحة غسل الأموال، اليوم الإثنين بالرباط، أن القضاء  يظل من بين الجهات المعول عليها في مكافحة جميع مظاهر غسل الأموال، بالنظر لما يضطلع به من مهام على مستوى تسيير الأبحاث وكشف جرائم غسل الأموال وجمع الأدلة بشأنها، وتحريك المتابعات وتقديم الجناة للعدالة وتوقيع الجزاء المناسب في حقهم.

مضيفا، غير أن طبيعة جرائم غسل الأموال التي تجمع بين ما هو مالي و ما هو قانوني فضلا عن ارتباطها بمجموعة من المصادر غير المشروعة للأموال، يجعل هذه الجرائم جرائم مركبة وصعبة الكشف، الأمر الذي يتطلب تظافر جهود أجهزة الإشراف و الرقابة و أجهزة إنفاذ القانون و الأشخاص الخاضعين، لمحاصرة جريمة غسل الأموال في إطار من التكامل بين التدابير الوقائية و التدابير الزجرية.

وأوضح المتحدث ذاته، أن المغرب عمل على إصدار القانون رقم 12.18 الذي أدخلت بموجبه تعديلات مهمة على القانون الجنائي والقانون رقم 43.05 المتعلق بمكافحة غسل الأموال، وذلك في إطار إلتزام بلادنا بالتفاعل الإيجابي مع ملاحظات مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي توصي الدول بتحديث المنظومة القانونية الداخلية وملاءمتها مع المنظومة القانونية الدولية، حيث  جاء القانون المذكور بمستجدات مهمة للرفع من فعالية آليات الوقاية من غسل الأموال و مكافحته وتجويد آليات التنسيق و التعاون بين مختلف الهيئات والأجهزة، وفي نفس السياق صدر المرسوم رقم 2.21.670 بتاريخ 31 غشت 2021 الذي يحدد دوائر نفوذ المحاكم المختصة في جرائم غسل الأموال وذلك في إطار تنزيل مقتضيات المادة 38 من القانون السالف الذكر، التي تنص على تعميم الإختصاص القضائي في جرائم غسل الأموال على محاكم الدار البيضاء وفاس ومراكش إلى جانب محكمة الرباط، وذلك بهدف تخفيف الضغط على هذه الأخيرة التي كان لها اختصاص وطني وتسريع وتيرة البت في هذه القضايا.

وأشار بلاوي إلى أن التعديلات التشريعية المهمة سوف يكون لها دور فعال في تحسين وتيرة البحث في الملفات وتحقيق النجاعة القضائية في معالجة مختلف القضايا المرتبطة بغسل الأموال ومسايرة المجهودات المبذولة في مجال تقوية آليات البحث والتحري في هذا النوع من الجرائم خاصة مع إحداث فرق جهوية للشرطة القضائية متخصصة في الجرائم المالية والإقتصادية بكل من الرباط والدار البيضاء وفاس ومراكش.

وتابع حديثه قائلا، إن تكوين وتأهيل العنصر البشري يعتبر ضرورة آنية لتعزيز المهارات المهنية بما يؤدي إلى تجويد العمل القضائي وتحقيق السرعة والفعالية في معالجة قضايا غسل الأموال لاسيما وأن بلادنا تخضع حاليا لعملية المتابعة المعززة من طرف فريق المراجعة التابع لمجموعة العمل المالي “GAFI” الذي وضع خطة عمل تتضمن مجموعة من الإجراءات والتوصيات التي يتعين على بلادنا الإلتزام بها للخروج من هذه العملية، والتي على رأسها تنظيم دورات تكوينية متخصصة لفائدة أجهزة إنفاذ القانون في المجالات المرتبطة بمكافحة غسل الأموال.

وأكد بلاوي على أن هذه توصيات تتطابق مع أهداف الاستراتيجية التي سطرتها رئاسة النيابة العامة في مجال تأهيل مواردها البشرية، فمهما كانت النصوص متطورة ومهما كانت الآليات المؤسساتية كافية فإنها لا يمكن أن تحقق الغاية المرجوة منها، ما لم تواكبها جهود ملموسة على مستوى تكوين و تأهيل العنصر البشري في ميدان العدالة الجنائية، ولا غرو أن اجتماع قضاة النيابة العامة إلى جانب زملائهم قضاة التحقيق والحكم المتخصصين في جرائم غسل الأموال في هذه الدورة التكوينية، ليعتبر فرصة مواتية لتبادل وجهات النظر والاطلاع على الممارسات الجيدة في مجال مكافحة هذا النوع من الإجرام بغية تطوير أدائنا الجماعي في مواجهة مختلف أوجه هذه الجرائم، والاستفادة من الخبرة الدولية حيث يساهم في هذه الدورة خبراء دوليين من مكتب الأمم المتحدة المعني بالجريمة والمخدرات “UNODC”، ومن مؤسسات وهيئات وطنية راكموا تجربة طويلة في مجالات عملهم.

تابعنا على Google news
شاهد أيضا

أضف تعليقك

هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie اوافق لمزيد من المعلومات، يرجى قراءة سياسة الخصوصية

سياسة الخصوصية