عيد العرش.. من مطلب شعبي إلى إحتفالية وطنية ترسخ للوحدة والتلاحم المتبادل بين الملك وشعبه

عيد العرش

ما 5 تيفي – الدار البيضاء / حمزة بصير 

يعد عيد العرش أبرز مناسبة وطنية بالمغرب، يحتفل بها اليوم ابتداءً من 30 يوليوز من كل سنة، وهي ذكرى اعتلاء الملك محمد السادس للعرش، وفيها تُشارك مختلف أطياف الشعب والمؤسسة الملكية، ومؤسسات الدولة ورجال السلطة  إلى جانب البعثات الدبلوماسية الأجنبية في أنشطة واحتفالات رسمية وشعبية، كأنشطة رسمية وتقاليد عريقة تخليدا لهذه المناسبة المجيدة. 

ويلقي الملك بهذه المناسبة خطابا عبر التلفزيون والإذاعة، يتطرق فيه إلى ما تم تنفيذه وتحقيقه من إنجازات خلال العام الماضي، وعن رؤيته المستقبليّة التي تهم كافة الاختصاصات والمجالات للعام التالي، ويعتبر خطاب عيد العرش ملزما للأمة والسلطات، وفق ما نص عليه الفصل 52 من دستور 2011.

وترتبط قصة عيد العرش بعام 1933، خلال فترة الاستعمار الفرنسي للمغرب، بالجزائري محمد صالح مِيسَّة، مؤسس ورئيس تحرير مجلة “المغرب”، التي كانت تصدر من الرباط آنذاك باللغة العربية (استمر صدورها من 1932 إلى 1938)، والتي نشر عبرها مقالا تحت عنوان “حكومتنا والأعياد الإسلامية”؛ موقعا إياه باسم مستعار (مغربي)، قائلا فيه: “… كما نطلب منها أيضا بمناسبة هذا الموضوع أن تصدر قرارا باتخاذ يوم جلوس صاحب الجلال على العرش المغربي عيدا وطنيا”.

ويؤكد السياسي والصحافي الراحل محمد الحسن الوزاني (1910-1978) في مذكراته “حياة وجهاد”، عن أن فكرة ومبادرة الاحتفال بذكرى جلوس السلطان الراحل محمد الخامس على كرسي الحكم خلفا لوالده السلطان المولى يوسف تعود لمِيسَّة، ويضيف أن الدعوة للاحتفال بهذه المناسبة أول مرة تمت عبر الجريدة الأسبوعية “عمل الشعب” -الناطقة باللغة الفرنسية-، والتي كان يديرها ويرأس تحريرها بنفسه (الوزاني)، المنتسب للحركة الوطنية، التي كانت خلف دعم ومساندة هذه الصحيفة بعد صدورها، إذ كانت لسان حال أعضائها. 

واحتفل المغاربة أول مرة بعيد العرش في 18 نونبر 1933، استجابة لنداء الحركة الوطنية، التي رأت في الحدث أبرز رد على إعلان سياسة 16 ماي 1930 المعروفة بالظهير البربري، التي سعت من خلاله إدارة الاستعمار الفرنسي إلى تجريد ملك المغرب من اختصاصاته الدينية والمدنية، وتكوين قومية مزدوجة مغربية-فرنسية، لتحقيق مخططها بسلب المغرب من مظاهر سيادته ومقوماته الروحية والحضارية، وحكمه حكما مباشرا تمهيدا لجعله مستعمرة فرنسية خالصة.  

ما دفع الكثيرين إلى الخروج للشوارع غير مكترثين ببطش الاستعمار، احتفالا بإقامة هذا العيد الوطني الجديد بعدة مدن، حيث أغلقت يومها المدارس والكتاتيب وأغلق العديد من التجار محلاتهم واجتمع الناس في الساحات، فيما تلقى السلطان محمد الخامس برقيات التهاني من كل جهات المملكة، تجسيدا للالتفاف الشعبي حوله، كونه رمزا للسيادة. 

وبحلول الذكرى السابعة لجلوس السلطان  محمد الخامس على كرسي العرش، أصبح الاحتفال بعيد العرش يكتسي صبغة رسمية٬ إذ صدر قرار وزاري أصدره محمد المقري في 26 أكتوبر 1934 بعد أن أشر عليه المقيم العام الفرنسي “هنري ونصو”،  لينشر بالجريدة الرسمية يوم 2 نونبر 1934، مؤلفا من عدة بنود أهمها أن يقوم باشا كل مدينة من المدن المغربية بتنظيم الأفراح والحفلات الموسيقية، وتزيين المدن، وتوزيع الألبسة والأطعمة على نزلاء الجمعيات الخيرية، وأن يكون يوم عيد العرش هو يوم 18 نونبر من كل سنة٬ ويكون يوم عطلة بشرط ألا تلقى فيه الخطب السامية. 

وكسر السلطان محمد بن يوسف البند الأخير الذي فرضه المستعمر الفرنسي، بتوجيهه خطابا ساميا بالقصر الملكي بالرباط، في 18 نونبر 1952، الأمر الذي اعتبره الوطنيون شرارة اندلاع “ثورة الملك والشعب”.

واستمر الاحتفال بعيد العرش بنفس الطقوس والرمزية التي لا تزال حتى اليوم، المتمثلة في التعبير عن الولاء والبيعة والوحدة الوطنية، مع الملك الراحل الحسن الثاني، الذي اعتلى سدة الحكم في 2 مارس 1961، بعد وفاة والده السلطان محمد الخامس، ليصير هذا اليوم (2 مارس) وفق البرتوكول المعمول به، المرتبط بزمن جلوس الملوك على كرسي العرش، تاريخا سنويا لاستحضار هذه الذكرى الوطنية. 

وفي الذكرى 22 لعيد العرش المجيد، اكتسبت هذه المناسبة مقومات متجددة تتمثل في إبراز توجهات المملكة والتأكيد على الهوية الراسخة لدى المغاربة وتشبتهم بوحدتهم الوطنية، والترابط المتبادل بين العرش والشعب.

www.ma5tv.ma

تابعنا على Google news
شاهد أيضا

أضف تعليقك

هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie اوافق لمزيد من المعلومات، يرجى قراءة سياسة الخصوصية

سياسة الخصوصية