في الحاجة إلى جبهة وطنية لمناهضة التحرش الجنسي بالنساء

بقلم /زكرياء كارتي 

اهتز الرأي العام بمدنية سطات على وقع فضيحة تورط بعض أساتذة كليتي القانون والاقتصاد بالمدينة في الضغط على مجموعة من الطالبات ودفعهن لممارسة الجنس مقابل معاملة تفضيلية تتجلى في منحهن نقاط عالية والنجاح في اجتياز الامتحانات أو معاقبة من يرفضن ذلك سواء عبر اتهامهن بالغش أو منحهن نقاطا ضعيفة مما يعيق مسارهن الجامعي والمهني لاحقا. 

وأدى تسرب أو “تسريب” محادثات جنسية بين بعض الطالبات والاساتذة إلى “إفشاء سر” كان معروفا عند القاصي والداني منذ سنوات عديدة، منذرا بتحول الأمر الى قضية رأي عام عُرفت إعلاميا بقضية “الجنس مقابل النقاط”. 

وفي هذا الإطار، كانت حركة معا (عبر تنسيقية السطات) من الهيئات التي ترافعت من أجل فضح هذه الممارسات اللاأخلاقية التي تنخر جسد الجامعة المغربية، مستفيدة من تفاعل إيجابي للمواطنين وكذلك للمؤسسات الحكومية والقضائية مما عجل بإقالة عميد الكلية ومتابعة عدد من المتهمين بعضهم في حالة اعتقال. 

تحمل القضية في طياتها أبعادا واشكالات عديدة قد تحتاج كل واحدة منها إلى مقال مفصل خاص بها، وأولاها نظام تقييم الطلبة ومصداقيته وثقافة الاستحقاق في الجامعات، وكذلك قدرة أو “رغبة” السلطات الجامعية في أخذ تحذيرات وشكايات عدد من الطلبة على محمل الجد. إن سيادة منطق الولاء إلى الانتماء إلى الجسم المهني كثقافة لا تخص التعليم العالي فقط بل تتعداه إلى كل المهن والاختصاصات، هو أحد مكابح سيادة القانون، وأهم العوامل المساعدة على شرعنة الممارسات اللاأخلاقية والتسلط في ممارسة السلطة المعرفية أو المهنية وغيرها من مظاهر الظلم المنتشر في أوساط الجامعات كعينة مبسطة من مجتمع مختل الموازين.

إن قضية “الجنس مقابل النقاط” ليست إلا غيضا من فيض أو قمة جبل الجليد، فالاستغلال والانتهاك الجنسيين والتحرش الجنسي في الجامعة ومكان العمل (وذلك بشهادة الجمعيات النسائية والحقوقية) ظواهر منتشرة في المجتمع ومسكوت عنها، وذلك رغم تضمن القانون المغربي المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء (الذي دخل حيز التنفيذ في 2018) مقتضيات تعاقب على التحرش الجنسي في الفضاءات العمومية. وقد طبّع المجتمع مع هذه الممارسات وصارت مقبولة من الجميع لا يستهجنها سوى القليل، وعند تحريك المتابعات تتداخل الاعتبارات العائلية والمهنية ومصائر النافذين الممارسين لفعل الاستغلال الجنسي او التحرش، ويوضع هذا في كفة ترجح مصير ومسار المرأة ضحية الاستغلال وكرامتها.

لا يكمن المشكل في ثغرات القانون فقط، بل يتعداه إلى العراقيل العديدة التي تواجه ضحايا التحرش، خاصة صعوبة الاثبات ونظرة المجتمع. 

إن عدم تحلي النساء بالشجاعة الكافية لمشاركة قصص التحرش والاستغلال الجنسي من أجل إماطة اللثام عن معاناتهم من الاسباب التي تشجع الرجال على الاستمرار في التحرش الجنسي. إن أفضل وسيلة لمحاربة التحرش هو فضحه. 

نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى حركة اجتماعية نسائية مناهضة للتحرش، عابرة للطبقات الاجتماعية وفوق الايدولوجيات. 

وإذا كانت دينامية محاربة التحرش الجنسي قد أطلقت مبادرات دولية متعددة، فإننا اليوم وأكثر من أي وقت سابق في حاجة ملحة لإطلاق ديناميتنا الحركية المغربية بهدف تحريك المياه الراكدة في مستنقع الفساد والاستغلال وكسر طابوهات موضوع ظل محاطا بالكتمان. 

إن مشاركة النساء لقصص التحرش خطوة أولى لكنها تبقى غير كافية للقضاء عليه. فمحاربة الظاهرة تحتاج الى مواكبة حقوقية وترافع مدني وسياسي، ومواكبة إعلامية وصحافة استقصاء حقيقية، وانخراط فعلي لكل هيئات المجتمع المدني، والأهم من كل هذا متابعة قانونية وقضائية صارمة (لتوفير حماية قانونية للنساء اللواتي يفضحن حالات التحرش وفي نفس الوقت ضمان أن لا تتحول محاربة التحرش إلى عملية تشهير وابتزاز وتصفية حسابات). 

إن الخوف هو أكبر عائق للتغيير وهو عدو الإصلاح الأول. فلنجعل من الشجاعة أساس الحرية والانعتاق، ولتكن حرية المرأة وتمكينها أساسا لبناء مجتمع قوي وحر.

تابعنا على Google news
شاهد أيضا

أضف تعليقك

ما 5 تيفي نود أن نعرض لك إشعارات بأهم الأخبار والتحديثات!
Dismiss
Allow Notifications